ثمن هذا المدفع فقيل أربع عشرة مائة ريال ، فقيل : وكم معه من عمارة ، فقال : خمسون بقصد التجريب ، وما عداها فلها ثمن يخصها ، فسئل عن ثمن الصغار ، فقال : إن ذلك عند الباشدور الذي لهم بطنجة ، ووجدنا مكينات هناك تدور ، وكل واحدة جالس قبالتها رجل ، قد ركب جزءا من أجزاء المدفع في محل وأحكم وثاقه ، وهو يدور بدوران المكينة وبيده آلة /١٦٦/ من هند محددة الرأس ، وهو يخرط بها تلك الآلة ، كما يخرط الخراط العود بالحديد. ثم خرجنا من هذه الفابريكة ، وتوجهنا إلى الدار التي يتعلمون فيها الرماية (١) ، فدخلنا إليها فوجدنا فيها بيتا طويلا عريضا ، وفي جداره فرج مربعة مفتوحة يشرف منها على ربوة بعيدة ، فيها أشجار ، وجعل في أسفل تلك الربوة حفيرا أطول من قامة الإنسان ، وفيه ألواح كبيرة مربعة من عود ، يظهر من المحل الذي كنا فيه أن تربيعها قدر ذراع في مثله ، وهي مصبوغة بالسواد ، في وسطها بياض ، تركب هذه الألواح في رؤوس عصي طويلة ، يباشر تركيبها من يكون في ذلك الحفير ، وينصبها للرمي. ووجدنا أناسا بذلك البيت يرمون تلك الألواح من الفرج التي في جداره ، وتكرر رميهم لها ، فما أصابها واحد منهم ، فناولني واحد منهم مكحلة بعدما عمرها من خزنتها ، وأذنني في الرمي بها ، فأخذتها فوجدت نيشان الخزنة ضعيفا جدا لا ينحصر به المرمي ، فحين شايعت بها المرمى ظهر لي في رأي العين أن فورمة المكحلة أعظم من المرمي (٢) ، ولعله من صغر النيشان وشكل الجعبة ، فحين أخرجت المكحلة لم أصب ذلك المرمى ، فلم
__________________
(١) في مكان الرماية الوطني National Tir جربت هذه الأسلحة أمام أنظار أعضاء السفارة المغربية.
M. A. E. R. B) ARCH. HIST. DIP): 518.
(٢) تنبه الجعيدي إلى بعض عيوب هذه الأسلحة البلجيكية وهي في طور التجريب ، وفضل الأسلحة التقليدية المغربية عليها ، وهذا يفسر لنا أن الجنود المغاربة كانوا يفضلون المكاحيل القديمة المحلية على المكاحيل الأوربية الحديثة ، كما يظهر من رسائل السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان بتاريخ غشت ١٨٦٢ م «... وأخبرت أنك كنت دفعت لمخازنية تطوان المكاحيل الرومية ولم تصلح لهم وطلبت أن تفرق عليهم هذه المكاحيل التي تعمل من الطريحية فقد أذناك في ذلك ، فاجمع الرومية التي كنت فرقتها عليهم ...».