منتظما وكان مرتبطا بالظروف الدولية ، وظل المغرب بالنسبة للتجارة الأوربية سوقا تكميليا تلتجئ إليه في فترة الأزمات. في هذه المرحلة كان المخزن ما زال مسيطرا نسبيا على الموقف في تعامله مع الدول الأوربية ، وكان التشريع الجمركي سلاحه الفعال في ميدان التجارة البحرية ، إلا أن الأوساط الأوربية المهتمة بالمغرب تضايقت من هذا الوضع ، وأمام ضغطها تجندت الدول الأوربية لإرغام المغرب على عقد معاهدات تجارية لترسيخ قواعد التحكم الأجنبي في التجارة المغربية ، وربط مصالح الخزينة السلطانية بمصالح التجارة الأوربية ، وقد تحقق هذا الهدف بعقد ثلاث معاهدات (١) ، الأولى مع أنجلترا سنة ١٨٦٥ م والثانية مع إسبانيا بعد حرب تطوان مباشرة سنة ١٨٦١ والثالثة مع فرنسا سنة ١٨٦٣ م ، غيرت بعمق (٢) طبيعة العلاقات المغربية الأوربية ، لأنها نصت على تقوية مكانة الحماية القنصلية بالمغرب ، والتي أصبحت في تصاعد مستمر ، وبالتالي انعكس كل هذا على مالية المخزن فأصبحت الحماية حاجزا أمام كل إصلاح. من هنا ندرك مدى اهتمام السلطان الحسن الأول لإيجاد حل لهذا المشكل الذي اعتبره أصل جميع الخلافات القائمة بينه وبين أوربا. فخلال هذه الحقبة الحاسمة من تاريخ المغرب المعاصر ، نشطت الديبلوماسية المغربية ، بشكل مكثف محاولة التأثير في هذا الواقع ، والدفاع عن وضع المغرب الدولي ، ومستهدفة في آن واحد استثمار التناقضات السائدة في صفوف القوى الأوربية لمصلحتها.
أوفد المخزن المغربي خلال هذه الحقبة الممتدة من سنة ١٨٤٥ إلى سنة ١٨٧٦ م
__________________
(١) انظر نص هذه المعاهدات بكتاب عبد الوهاب بن منصور ، مشكل الحماية القنصلية من نشأتها إلى مؤتمر مدريد سنة ١٨٨٠» ، الرباط ، ١٩٧٧ م.
(٢) انظر دراسة جرمان عياش ، «جوانب من الأزمة المالية في المغرب بعد حرب ١٨٦٠» ، مجلة البحث العلمي ، عدد ٤ ـ ٥ ، السنة ٢ يناير ، غشت ١٩٦٥ ، ص ٢٠ ؛ ومحمد داود ، تاريخ تطوان ، المجلد ٤ ، ص ١٦٧ ؛ والناصري ، الاستقصا ، ج ٩ : ١٨٢.