القبوان هما سقفها ، وكل ذلك من البلار الغليظ ، بحيث جعل ألواحا ممسوكة بين قضبان الحديد كما تمسك ورقات الزاجة في سراجم البيوت بين العود ، لكن قضبان الحديد أرق وألطف من (١) دور تلك السراجم ، وامتدت جدرانها وقببها على هذا الوصف. وفي داخلها الأبنية والدرج والطبقات من العود ، فالطبقات مرفوعة على قناطير لطيفة أيضا من الحديد ، وفي وسطها رياض بجوانبه أشجار صغيرة وكبيرة ونخل صغير ممتد مع طولها ، وفي وسطه حوض مملوء ماء يدخل إليه ما فاته من الرخام ممتدة من الرياض ، يجعل وسطه أنصاف دوائر من الرخام خارجة عن تربيعة ، وبطرفيه كذلك ، والماء الذي في هذا الحوض أظن عمقه نحو شبر واحد ، وقد رصفت في وسطه وجوانبه محابيق فيها نبات ، ووضعت في الماء غير أنه أي الماء لا يصل إلى النبات ، منها ما فيه ألوان النوار ، ومنها مالا نوار له.
ثم صعدنا إلى طبقة منها فدخلنا إلى قبة سقفها (٢) من البلار مبني كما ذكر ، وأما جدرانها فكلها جلدت بمرءات كبيرة يجعلون فيها التصاوير. طول هذه القبة نحو نصف طول الدار ، وعرضها نحو اثني عشر ذراعا ، وكلها امتدت بالتصاوير التي ترى من البعد كأنها أجسام ، وحيث تقرب منها تجدها رفعا من كاغد ـ والله أعلم ـ بالألوان /٢٥١/ ومن هذه الصور صورة امرأة جالسة على شيلية ، وشمعة في حسكة توقد بقربها ، ولهب الإيقاد على لون لهب الشمعة حين توقد ، وهي قريبة من وجهها لكنها التفتت إلى امرأة أخرى كأنها تشد رأسها ، فبقي ضوء تلك الشمعة مقابلا لخدها الأيسر ، فصار منيرا كأنه تلك الشمعة ، وامتد ظل أنفها إلى جهة حاجبها الأيمن ، وهناك تصاوير تمثال حربهم مع بعض الأجناس وكيفية قتالهم إلى غير ذلك من التصاوير العجيبة.
__________________
(١) بياض بقدر كلمة.
(٢) «... دار البلوري ، وهي كقرية عظيمة حيطانها من بلور وقبابها من بلور ما عدا أرضها فإنها من الخشب ، وهي مشتملة على عجائب وغرائب ... ثم إن بأبواب هذا المحل أناسا قائمين به ، من أراد أن يدخل إليه أعطى نصف ريال ودخل ... وهذه الدار مشتملة على قصور على أشكال ... فمن بناء الفرنصيص ... وبناء العجم قصر ، ومن بناء مصر قصر ، وهكذا ...». الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية.