الرجال الثلاثة الذين لقيتهم عند خروجي من مثال جامع غرناطة. وذكروا أن أحدهم مراكشي والآخران من سوس وهما ـ والله أعلم ـ ممن تقدمت لهما الخدمة مع أولاد سيدي أحمد (١) وموسى نفع الله به ، ثم ردوا تلك الخيل إلى محلها وصاروا يتقلبون من الخشبة كأول مرة ، فأتى رجل منهم وقفز قفزة عظيمة في الهواء وانقلب مرتين في الهواء ونزل واقفا ، فصار أولائك الناس المتفرجون يصفقون بأيديهم جميعا يستحسنون بذلك عمله على عادتهم. ثم أتوا بالخيل وصاروا يلفون بها كما تقدم في بعض وصف طياطروا باريس. وهؤلاء الأناس الذين كانوا يلعبون بالقفز على الخيل ، على كل واحد منهم سروال من ثوب خفيف ساتر قدمه كهيئة التقاشر حتى تجاوز سرته أو كان بها لاصقا على جسمه ، وعلى صورة كبوط صغير لاصق على صدره وظهره ، ورأسه مكشوف علته ـ والله أعلم ـ الإعانة على خفة حركته بذلك ، لأنهم لو كانت لهم ثياب وافرة لتخللها الهواء عند جريهم وانقلابهم فتثقل بذلك حركاتهم ، لأن الهواء المتولد من ذلك يكون عاسكا لهم ، ثم إنهم أتوا ببسطيليات وهي في عرف العدوتين أنصاف البراميل الكبار ، ووضعوها داخل الدائرة مقلوبة على الأرض ، وأتوا بأفيال كبار وصاروا يلعبون بها لعبا عجيبا ، حتى أن الأفيال ترقص على الأرض وتحادي برقصها نقط أصحاب الموسيقى وتقف فوق تلك البسطيليات وتجمع يديها ورجليها فوقها مع صغر قعر البسطيلية ، وتدور فوقها ، ولم يكتفوا بهذا بل جعلوا بسطيليات صغيرة فوق الكبيرة مقبوضة عليها بمسامير وطلع الأفيال /٢٥٨/ فوق البسطيليات الصغيرة ورقصوا فوقها كذلك ، وكلما تكلم معها بكلام تفهمه وتمثله ، حتى إن فيلا منها وقف على يديه ورأسه ورفع رجليه وهو يصيح كأنه يطلب الإعفاء من تلك المشقة ، ثم ربضت إلى محلها وأتوا بفيل عظيم ، وصار يلعب كلعب الأفيال
__________________
(١) انظر ترجمة الشيخ بكتاب إيليغ قديما وحديثا / محمد المختار السوسي ، المطبعة الملكية ١٩٦٦ : ١٧ وعند غيره ، وكذلك في المعسول توجد ترجمة أجمع ج ١٢ : ٥.أما عن تواجد المغاربة بالمعارض الدولية الإنجليزية فقد ذكر ابن زيدان بالإتحاف ٤ : ٣٧٣ «لم يكن المغاربة يذهبون لانجلترا للتجارة فقط ، بل توجه أيضا حوالي سنة ١٨٧٦ م من الصناع للمشاركة في معرض للصناعة التقليدية حسبما يبدو من توصية صدرت في شأنهم ...».