فأجبته (١) ووفيت له بالمكيال الكبير ، ولم يكن قلقي في هذا الميدان قصير ، وما ظلمته والله أعلم ، ولكن الخير بالخير والبادي أكرم. أما علمت أنك كنت لذلك طالبا مشتاقا ، ومتشوقا إليه وفيه راغبا ، وتوجهت إليه بقلبك ، بعدما أخذ حبه بمجامع قلبك ، وكنت تتأمل في ذلك تأمل المشتاق ، وتتمايل طربا تمايل العشاق ، وتتصدر في المواضع التي لها اشراف ، وجاوزت في تلك حد الاشراف ، وأكدت ذلك بالاستحسان وزكيته بالثناء وطول اللسان ، حتى كأنك تثني على مريم وآسية ، ويسليك ما انطوت عليه تلك القلوب القاسية ، وتتلذذ به مساء وصباحا ، وكأنك ارتكبت أمرا مباحا ، وما غضضت عن ذلك النظرة وسلكت مسلك أولائك النفر ، ولأنشرن خبرك في الأوطان ، وأشرح حالك في حضرة مولانا السلطان /٢٨٣/ فيعرف منزلتك بين التجار ، ويعطل تجارتك بخدمته الشريفة في الأقفار والبحار ، أو يدنيك من قربه وهذا جزاؤك والمرء مقتول بما قتل به ، وأما ما رميتني به من الفجر ، والأفك وببّنات الزور ، فإن القاضي له عقل حاد ، من الأذكياء النقاد ، لا يسمع منك تلك الدعوى ، وربما تجر عليك البلوى ، فإن من الهوى والفضول ، اتباع العورات لا سيما تجريح العدول ، وقد علمت أني توجهت معكم جبرا ، ولم يكن لي بذلك خبر (٢) ، ومع ذلك كنت ممن تركوا بدارهم القلوب والأرواح ، وتوجهوا بالأجسام والأشباح ، وتأخرت باختياري في ذلك المجلس إلى وراء ، ونبذت ما هناك بالعراء ، ولم يكن لي لذلك التفات ، ولم تصحبني نظارة ولا مرءاة ، وأخذتني هناك سنة من النوم ، حتى استغرب ذلك الترجمان من القوم ، ولا مني على نومي ، مع أني ظللت نائما جل يومي وها أنا أشرح للقاضي قصتي لينصفني وأستريح من غصتي ، وأبينها في بحر خفيف ذي قافية ، فإنه ممن يراقب من لا يخفى عليه خافية ، وهذا أوان رقم تلك
__________________
(١) الجعيدي بصفته المدعى عليه والمقصود من الشكوى ، يدافع عن نفسه ويكشف عيوب الدعي.
(٢) في الأصل خبرا وهي خطأ ، نصبها لأجل ضرورة السجع.