وتبعتها عربة الباشدور وتأخرت عربة المخازنية ، وتقدمت فئة من فرسان العسكر قدامنا في أحسن ما يكون من الزي والتهييء ، ومن خروجنا والموسيقا تتكلم عند كل طنبور نصل إليه ، والعسكر يشير بالسلام متأدبا على عادته ، حتى وصلنا إلى باب دار عظيم الدولة (١) ، فنزلنا ووقفنا حتى تقدم الباشدور وتبعناه والمخازنية وراءنا ، وصعدنا قبب هذه الدار ووجدنا قليلا من العسكر بالدرج التي مررنا بها حتى قابلتنا القبة التي فيها عظيم الدولة ، وكان واقفا بالباب أحد كبراء العسكر ففتح باب القبة وتقدم الباشدور للدخول وتبعه الترجمان فقط ، وكان عندنا الإذن بالوقوف بباب القبة عند دخول الباشدور ، حتى يؤذن لنا بالدخول وعند دخولهما سد ذلك الباب ، ووقفنا نحو ست دقائق ثم فتح ذلك الباب وأذن البواب لنا بالدخول ، فتقدم مقيده ـ عفا الله عنه ـ وتبعه الأمين وفقه الله ، وفي أثره كبير المخازنية وبعده باقيهم ، فلم يكن في تلك القبة إلا عظيم الدولة والباشدور والترجمان لا غير ، فبادر عظيم الدولة بالإشارة بالتحية فأجبناه ، ثم عرفه الباشدور بكل واحد منا وبمرتبته ، ومهما عرفه بواحد أعاد التحية أيضا لكل واحد بخصوصه ، وأجيب بمثلها وظهر فيه من الفرح والسرور ما لم نره من غيره ، وكذلك من كبراء دولته وأهل بلدانه وخصوصا أهل هذه البلدة أعني طورين.
ثم خرجنا من عنده ورجعنا ، فوجدنا العسكر لا زال كل واحد بمحله ، وتوجهنا
__________________
(١) ملك إيطاليا فيكتور إمنويل الثاني (١٨٢٠ ـ ١٨٧٨) Emmanuel II Victor- شغل منصب ملك سردينيا من ١٨٤٩ م إلى ١٨٦١ م ثم توج ملكا على إيطاليا من ١٨٦١ م إلى ١٨٧٨ م وهو ابن شارل ألبيرCharles ـ Albert واجه الكثير من الحروب مع النمسا وفرنسا ، لكنه تابع عملية توحيد إيطاليا في سنة ١٨٦٦ ضم إقليم البندقية ودخل رسميا لروما سنة ١٨٧١ م وعمل على تخفيف الصراع مع الفاتيكان الذي كان يرفض الأمر الواقع ، وقد عاش هذا الملك الجندي حياة بسيطة.
Dictionnaire d\'histoire Universelle, Michel Mourre, Bordas, V 1: 1664.