كان تأثير المسرح عليهم تأثيرا واضحا كفن قائم بذاته. باعتباره الأداة التصويرية الهادئة في التعبير عن مشكلات المجتمع الأوربي. ومن الطريف أن نسمع رأي الرحالة الصفار في المسرح الذي زاره لأول مرة في باريس ، وتنبه إلى دوره في التثقيف والترفيه ، يقول : «(١) .. من محال فرجاتهم ، المحال المسماة بالتياترو أو الكومدية وتسمى الأوبرا وهو محل يلعب فيه بمستغربات اللعب ومضحكاته وحكاية ما وقع من حرب أو نادرة أو نحو ذلك ، فهو جد في صورة هزل ، لأنه يكون في اللعب اعتبار أو تأديب أو أعجوبة أو قضية مخصوصة ويكتسبون من ذلك علوما جمة ..» ، وهذا الرأي يقارب ما كتبه الطهطاوي (٢) الذي يراه جدا في صورة هزل ، واتخاذ الجد صورة الهزل إنما مرده استنباط العبرة منها. أما الجعيدي فقد تعرف هو الآخر على المسرح بدار الأوبرا بباريس وشاهد به بعض المسرحيات واعتبر مشاهده من الأمور الحقيقية البعيدة عن الخدعة. «.. أما ما يفعله بعمل السيمياء المسماة عندنا «بخنقاطرة» فأمرها مسلم مفرز مشهور ، رأينا من ذلك في بعض الديار ما سأذكره ، وذلك أنهم يرسلون سترا بأحد أرباع الدار ، يصير حاجزا بين جميع من في الدار الذين أتوا للفرجة ، وبين محل اللعب ، حتى يتناولوا العمل الذي يريدون ظهوره ، فإذا فرغوا من تهيئه يرفعون الستر فترى ذلك المحل المتخذ للعب قد انبسط وامتد غاية .... وحين
__________________
(١) «الرحلة إلى باريس» ، ص ٦٢ ، مخطوط ب خ. ح. بالرياط ، رقم ١١٣.
(٢) رفاعة رافع الطهطاوي الذي عاد من فرنسا ليبراليا وكان يدعو إلى الديمقراطية على طريقة المثاليين في رحلته «تخليص الإبريز في تلخيص باريس» لهذا لم يكن يخفى عليه قيمة المسرح في الحياة الديمقراطية ، راجع كتاب «العرب وفن المسرح» ، د. أحمد شمس الدين الحجاجي ، القاهرة ، ١٩٧٥ م.