بعض المظاهر الاجتماعية :
الطعام والمجتمع الأوربي والمغربي
القصد من هذه الدراسة ليس نظام الطعام وترتيبه في مضمونه المادي فحسب ، وإنما في دلالاته الاجتماعية ورموزه الثقافية أيضا. لأن أهميته كونه وسيلة لتغذية الجسم بغية الحياة. بل أيضا يرتبط (١) بالبيئة والاقتصاد وبالدين والمعتقدات الشعبية ، وربما بكافة مظاهر الحياة الإنسانية المادية والفكرية ، وعلى هذا الأساس يشكل الطعام مركبا حضاريا في الفكر الأنثروبولوجي ، خاصة أن احتفالية النظر والأكل والشراب تشكل (٢) سمة جلية في الثقافة العربية (الكرم ، الضيافة ....).
من هنا تأتي الأهمية التي أعطاها الجعيدي لآداب المائدة عند الأوربيين والتي أكثر الحديث عنها في رحلته ، خاصة أنهم حضروا العديد من مآدب الأكل الرسمية بأوربا ، فوصفها بدقة متناهية تنم عن إدراكه التام بطقوسها وآدابها ، لهذا حاولت تتبع وصفه لها خطوة خطوة أثناء تحقيق رحلته ، فكنت أجد تطابقا تاما بين ما ذكره وبين ما تذكره المراجع المختصة بدارسة التقاليد البروتوكولية لكيفية الأكل أثناء المآدب الدبلوماسية. وهي طقوس تطورت مع نمو الطبقة البورجوازية وارتفاع مستوى الدخل والمعيشة ، وهي مغايرة بطبيعة الحال لما كان سائدا في المجتمع المغربي والإسلامي على العموم ، لا من حيث الشكل أو المضمون ، وقد انعكس هذا على سلوك أعضاء
__________________
(١) انظر الفصل الخامس من كتاب «أدب الرحلات» تأليف د. حسين محمد فهيم ، سلسلة عالم المعرفة ١٣٨ في ذكر الطعام واستنباط أحوال المجتمعات.
(٢) تجدر الإشارة إلى الدراسة التي وصف فيها المستشرق الفرنسي أشتور وجبات الطعام لدى طبقات المجتمع العربي خلال العصر العباسي مسترشدا بالكثير من كتابات الرحالة الطوافين منهم والمؤرخين ، ومن هذه الدراسة استنبط الباحث الأوضاع الاجتماعية وتأثيرها في التركيبة السكانية ، كما ربط بين صلة التغذية بالأمراض التي كانت منتشرة في بعض المجتمعات العربية إبان عصر النهضة الإسلامية. وحالة النمو السكاني في تلك الحقبة الزمنية.