السفارة المغربية عندما امتنعوا عن الأكل لاعتبارات دينية (الأكل الحلال ، والأكل الحرام) ، ففي باريس لم يكن هناك مشكل ، لأن الحكومة الفرنسية المطلعة على أحوال وعادات العرب. استدعت بعض الضباط الفرنسيين العاملين بالجزائر للجلوس بجوار المغاربة لمساعدتهم «... ثم سرنا نحو القبة التي فيها الغداء ، فدخلناها فالتفت إلينا كبير الدولة ، وتكلم بلغته ، فقال لي رجل من عسكره كان بقربي ، إنه يقول لكم مرحبا بكم ، وإنه وكلني بالجلوس معكم لأبين لكم الطعام الحلال عليكم من غيره ، ووجدته يحسن اللغة العربية ...».
أما الحكومة البلجيكية على ما يظهر لن تنتبه إلى طبيعة ضيوفها المغاربة المتشبثين بالشريعة الإسلامية (١) ، والذين امتنعوا عن مشاركتهم في الأكل ، أثناء حضورهم حفلة غذاء أقامها الملك اليوبولد الثاني على شرفهم «... ثم أخذوا يخرجون بالطعام وأنواع الحلواء في أواني كبيرة ، ويطوفون بها على من بالمائدة ، فكل واحد يأخذ منها بمغرفة ما يريد ويضعه في الطبسيل الذي قدامه ... وهكذا حتى فرغ من الطعام ، ونحن تناولنا من ذلك يسيرا من حلواء معقودة على الثلج مع غيرها من الحلواء
__________________
(١) كان وسق المواد الغذائية إلى أوربا ، يفرض على السلطان المغربي أن يستشير الفقهاء والأمناء والتجار في الإباحة والمنع ، لأن المعاملة مع «الكفار» كانت بمثابة إعانة لهم على المسلمين مثلما ذكر صاحب الاستقصا. وكان مصدر بعض الهلع الذي كان يصيب التجار وخاصة السفير البريطاني بالمغرب هاي الذي كان يطلب تصدير الثيران إلى جبل طارق «وسمعنا أناسا لا عقل لهم ولا تجربة في هذا الأمر يقولون أن وسق الطعام حرام لبر النصارى وقائل ذلك من قلة عقله ، لا يتنبه للكسوة الجديدة التي عليه كونها عملا بيد النصارى ورأسه الخارج منه هذا الكلام ملتف برزة من عمل النصارى ... ويذهب لداره يشرب القهوة والشاي الواردين من بلد النصارى ، والسكة التي تحرث بها الأرض وصفيحة بهائمه وسيفه ومكحلة ، كل ذلك وارد من بر النصارى ، ومن يقل ذلك جاهل ولا عقل له ... إن الله سبحانه جعل تحت سلطاتنا عددا كثيرا من المسلمين بالهند أربعين مليونا ولا نمنعهم من نعم الله ...» وثائق المخطوطات البريطانية ١٣٣ / ١٧٤ ...F.O النص العربي لمذكرة ٢٧ مارس ١٨٥٥ م.