دار ضرب السكة بلندن
في نفس السياق فقد خصت الحكومة البريطانية السفارة المغربية بزيارة «لدار البانكة وضرب السكة» قصد إطلاعهم على ما وصلوا إليه من تقنية ميكانيكية لضرب الليبرة الأنجليزية ، وهذا يدخل بطبيعة الحال في إطار التنافس الذي كان قائما بين الأبناك الفرنسية والأبناك الأنجليزية لاستقطاب المخزن المغربي لضرب عملته ببلادهم «.. وهي دار عظيمة كأنها مدينة مشتملة على ديار. وطرق دففها من الحديد ... فسألنا عن عددهم فقيل في هذه الدار من الكتاب ثلاثة آلاف ، وألف واحد من سائر الخدمة ، ثم أوصلنا كبيرهم إلى مطبعة سكة الكاغد ...». العملة الورقية أثارت فضوله العلمي فخصها ببحث مستفيض وتتبع مراحل الطبع «..... وحيث رآني كبيرهم أرصد دوران بعض النواعير والمجانبة في يدي ، فأخبر أن هذه الدار يطبع فيها في كل يوم مليون من الإبرة ... هناك أوقفونا على بعض الكواغد زورها عليهم بعض من الفرنصيص ، وتداولها أناس بالدفع ، وعند رجوعها لدار المطبعة تفطن لها الكتاب من جهة النمروس لا غير ... والتاريخ لا زال لم يخرج من الدار ، أخبروا به ، وجدوا في طلب من زوره حتى وجدوه ، وحكم عليه بالسجن ثلاثين عاما ...» ، وهذا الإخبار يدخل هو الآخر في إطار المنافسة. كما حاولوا الأنجليز إبراز أهمية (١) العملة الورقية وصعوبة تزويرها وإمكانية حرقها بعد أن تتقادم بحضور الكتاب والأمناء ثم إعادة طبعها من جديد وهي تحمل أرقام الأوراق التي تم حرقها بدار المطبعة مرة أخرى. وهكذا ، كما أطلعوهم على كيفية ضرب السكة الذهبية ، غير أن المغاربة على ما يظهر استحسنوا السكة المعدنية التي ألفوها في بلادهم منذ قرون طويلة ، خوفا من جهل العامة للعملة الورقية.
__________________
(١) ذكر الطاهر الفاسي في رحلته الإبريزية : ٣٥ «... وقد أحدثوا هذه السكة (الورقية) في القرب ، وسبب إحداثه كما يقال ، أن الدولة الأنجليزية بلغها عن بعض أجناس النصارى ، يقولن إن دولة انجليز حصل لها ضعف وفلس مثلا ، فاتفقوا على استعمال ذلك إظهارا للقوة دمرهم الله ...».