التسييج (١) المنتشر بكثرة ، والذي يحيط بالبساتين والمزارع والعراصي باعتبارها ضيعات نموذجية غير مفتوحة ، على عكس ما كان سائدا في المغرب من أنظمة عقارية معقدة ومتخلفة كانت تتأثر بالجفاف وتسلط الجراد ، مما كان يؤدي إلى انهيار المحصولات وارتفاع الأسعار ، وبالتالي إلى مجاعات عامة ، وتنقلات واسعة لحشود بشرية جائعة ، كانت الأوبئة تجد (٢) مرتعا خصبا لها ، مما يؤدي إلى كوارث اجتماعية واقتصادية ، كما حدث خلال كارثة القرن التي دامت زهاء سبع سنوات. من ١٨٧٨ إلى ١٨٨٤ م وهي الكارثة التي واكبت إصلاحات مولاي الحسن الأول ، على عكس ما كانت تعرفه أوربا من نمو ديمغرافي ، وتطور في القرى والأرياف (٣).
__________________
(١) عرفت كل من أنجلترا وغرب فرنسا في البداية ثم باقي أوربا الغربية ، ثورة زراعية عميقة تمثلت في التسييج. فقد حل الحقل المسيج محل الحقل المفتوح OPen field وبالتالي مهدت لتحول البنية الزراعية حيث اختفت الخدمة الجماعية وإطلاق المواشي في الحقول بعد الحصاد بل تجمع في الاصطبلات ، حيث تعطى أسمدة وافرة وتزايد كميات الصوف ، وزراعة الأراضي المستريحة بالنباتات العلفية والزيتية والخضروات ، وقد حاربت الحكومات هذه الإجراءات بمراسيم برلمانية في ق ١٥ م ، لكن في ق ١٨ م أصبحت الحكومات تساند هذا الاتجاه ، لأن التسييج ساعد على التقدم التقني وارتفاع المردودية والدخول في الحركة التجارية ، وبالتالي تزايد التداول النقدي بشكل متعمق في العالم القروي. انظر رحلة الجعيدي :.
(٢) انظر رسالة محمد الأمين البزاز ، المجلس الصحي الدولي بالمغرب ، كلية الآداب بالرباط ، أبريل ١٩٨٠ م.
(٣) كتب «الصفار التطواني» مبديا إعجابه بانتشار مظاهر المدنية بالبوادي الأوربية «... اعلم أن هؤلاء القوم ليس عندهم في مساكنهم اخصاص ولا خيم ولا نواويل ، وإنما يعرفون البناء لا غير ، إلا أن بناء البوادي متميز عن بناء الحواضر ، فقراهم في الحقيقة من جملة المدن ، يوجد فيها ما يوجد في الحاضرة من الأسواق ، وما يباع فيها وغير ذلك ، وقد رأينا في طريقنا هذا ما يشهد شهادة حق لأهل هذه البلاد بالاعتناء التام والتبصر العام بأمر دنياهم وإصلاح معاشهم وإتقان تدبيرهم ..». رحلة إلى فرنسا ، مخطوط ، ص ٢٩.