الجانب الفكاهي في الرحلة
ـ يتميز أسلوب الجعيدي في الكتابة بروح المرح والفكاهة الأدبية التي تهدف النقد في صورة الهزل ، وقد أخذ ذلك حيزا لا بأس به داخل رحلته ، نستنتج منه بطريقة غير مباشرة المعاناة التي كان المغاربة يعانون منها من جراء ضرورة تكيفهم مع المجتمع الأوربي المتشبع بالعلمانية والليبرالية والحرية ، والبعيد كل البعد عن بيئتهم التقليدية ومجتمعهم المتشبث بالروح الإسلامية ، وبالفعل فقد سايروا الوضع الجديد بديناميكية الدبلوماسي العصامي الذي لا يهتز للمغريات والمتشبث بمبادئه الإسلامية ، رغم الفوارق الكبيرة التي كانت بين أفراد السفارة المغربية من ناحية السن والثقافة.
مستملحة
أتحفنا الجعيدي بها وما هي إلا تصوير جريء وصريح لمعايشة رفاقه ، من خلال ما يروج في دائرتهم ، مما يبعث على إشاعة روح المرح فيما بينهم للتسلية والتزجية ، وتوثق لنا كل ما يحدث له ولغيره على سبيل الفكاهة الأدبية ، لذلك توزعت عليهم الأدوار في هذه المستملحة الهزلية حسبما لهم من خدمة ومكانة واعتبار ، وتتلخص أن الأمين غنام هدد الجعيدي أنه سيشتكيه إلى القاضي لينال من عدالته ويسقط شهادته ، بسبب مشاهدته رقص البنات (١) شبه عاريات (البالي) على المسرح ، فدافع الجعيدي عن نفسه بنثر مسجوع وقصيدة شعرية من الإيقاع الخفيف تتجلى فيها قمة
__________________
(١) ذهب السفير تميم إلى مسرح الأكاديمية الموسيقية الملكية بباريس وشاهد عرض «بالي» ولقد سببت تلك المناظر عجبا شديدا لدى أعضاء الوفد المغربي الذين كانوا برفقة تميم لدرجة أن أحدهم امتنع عن النظر إلى ما يجري على خشبة المسرح قائلا «أن ذلك ضرب من السحر». انظر : تاريخ تطوان ، القسم الثاني من المجلد الأول ، ص ٢٦٢ تطوان ١٩٥٩.