بالنبوة وتسخير الجن والإنس والشياطين (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٥) (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) النبوة والعلم دون باقي أولاده (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أي فهم أصواته (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) تؤتاه الأنبياء والملوك (إِنَّ هذا) المؤتى (لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦) البين الظاهر
____________________________________
وسليمان وهو كذلك ، إلا أن سليمان فاق أباه ، وكانت له السلطنة الظاهرة. قوله : (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) أي الذين لم يؤتوا مثلنا ، وهذه مزية ، وهي لا تقتضي الأفضلية ، فداود وسليمان وإن أعطيا تلك المزايا ، فأولو العزم أفضل منهما ، لأن التفضيل من الله لا بالمزايا. قوله : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) أي قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه التسعة عشر ، مع كون النبوة والعطايا التي مع داود مستمرة معه ، وليس المراد أن نبوة داود وعطاياه انتقلت منه لسليمان وصار داود بلا شيء.
قوله : (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي قال سليمان لبني إسرائيل : شكرا لله على نعمه. قوله : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أي فهمنا الله أصوات الطير ، ولا مفهوم للطير ، بل كان الزرع والنبات يكلمه ويفهم كلامه ، ورد أن سليمان كان جالسا ، إذ مر به طائر يطوف ، فقال لجلسائه : أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ إنه قال لي : السّلام عليك أيها الملك المسلط ، والنبي لبني إسرائيل ، أعطاك الله الكرامة ، وأظهرك على عدوك ، إني منطلق إلى أفراخي ، ثم أمر بك الثانية ، وإنه سيرجع إلينا الثانية ، ثم رجع فقال لهم : يقول السّلام عليك أيها الملك المسلط ، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يثبوا ثم آتيك ، فافعل بي ما شئت ، فأخبرهم سليمان بما قال ، وأذن له فانطلق. ومر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه ، فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا لا يا نبي الله ، قال إنه يقول : أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخا ، فخاف ، فقال له سليمان احذر ، فقال الهدهد : يا نبي الله هذا صبي ولا عقل له فأنا أسخر به ، ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده فقال له : ما هذا؟ قال ما رأيتها حتى وقعت بها يا نبي الله ، قال : ويحك فأنت ترى الماء تحت الأرض ، أما ترى الفخ؟ فقال يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر. وصاح ورشان عند سليمان بن داود فقال سليمان : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال : إنه يقول : لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة فقال : أتدرون ما تقول؟ قالوا : لا ، قال : إنها تقول : ليت الخلق لم يخلقوا ، وليتهم إذ خلقوا علموا ما خلقوا له. وصاح عنده طاووس فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال : إنه يقول : كما تدين تدان. وصاح عنده هدهد فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا لا ، قال : إنه يقول : إن من لا يرحم لا يرحم. وصاح عنده صرد فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال : إنه يقول : استغفروا الله يا مذنبون. فمن ثم نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قتله. وقيل : إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت ، ولذلك يقال له الصرد الصرام. وصاحت عنده طيطرجى فقال : أتدرون ما تقول؟ قالوا : لا ، قال : إنها تقول : كل حي ميت ، وكل جديد بال. وصاحت عنده خطافة فقال : أتدرون ما تقول؟ قالوا : لا ، قال : إنها تقول : قدموا خيرا تجدوه. فمن ثم نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قتلها. وقيل : إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله تعالى الوحشة ، فآنسه الله بالخطاف وألزمها البيوت ، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم ، قال : ومعها أربع آيات من كتاب الله (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) إلى آخرها ، وتمد صوتها بقوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وهدرت حمامة عند سليمان فقال : أتدرون ما