ببرهان بيّن ظاهر على عذره (فَمَكَثَ) بضم الكاف وفتحها (غَيْرَ بَعِيدٍ) أي يسيرا من الزمان ، وحضر لسليمان متواضعا برفع رأسه وإرخاء ذنبه وجناحيه فعفا عنه وسأله عما لقي في غيبته (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي اطلعت على ما لم تطلع عليه (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) بالصرف وتركه قبيلة باليمن سميت باسم جد لهم باعتباره صرف (بِنَبَإٍ) خبر (يَقِينٍ) (٢٢) (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) أي هي ملكة لهم اسمها بلقيس (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة (وَلَها عَرْشٌ) سرير (عَظِيمٌ) (٢٣) طوله ثمانون ذراعا ، وعرضه أربعون ذراعا ، وارتفاعه
____________________________________
ما رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، فتركه العقاب وقال : ويلك ثكلتك أمك ، إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ، فصارا متوجهين نحو سليمان عليهالسلام ، فلما انتهيا إلى العسكر تلقاه النسر والطير وقالا له : ويلك أين غبت في يومك هذا؟ فلقد توعدك نبي الله ، وأخبراه بما قال سليمان ، فقال الهدهد : أو ما استثنى نبي الله؟ فقالوا : بلى إنه قال : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) فقال نجوت إذا ، وكانت غيبته من الزوال ، ولم يرجع إلا بعد العصر ، فانطلق به العقاب حتى أتيا سليمان ، وكان قاعدا على كرسيه ، فقال العقاب : قد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب منه الهدهد ، رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض ، تواضعا لسليمان عليه الصلاة والسّلام ، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده اليه وقال له : أين كنت؟ لأعذبنك عذابا شديدا ، فقال : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عزوجل ، فلما سمع سليمان عليه الصلاة والسّلام ذلك ، ارتعد وعفا عنه ثم سأله : ما الذي أبطأك عني؟ فقال الهدهد : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) إلى آخره.
قوله : (فَمَكَثَ) أي الهدهد. قوله : (بضم الكاف وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان والأول من باب قرب والثاني من باب نصر. قوله : (أي يسيرا من الزمان) أي وهو من الزوال إلى العصر. قوله : (فعفا عنه) أي من أول الأمر قبل أن يذكر العذر. قوله : (وسأله عما لقي في غيبته) قدره إشارة إلى أن قوله : (فَقالَ أَحَطْتُ) الخ ، مفرع على محذوف. قوله : (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي علمت ما لم تعلمه أنت ولا جنودك وفي هذا تنبيه على أن الله تعالى أرى سليمان عجزه لكونه لم يعلم ذلك مع كون المسافة قريبة وهي ثلاث مراحل. قوله : (بالصرف وتركه) أي فهما قراءتان سبعيتان فالصرف نظرا إلى أنه اسم رجل وتركه نظرا إلى أنه اسم القبيلة للعلمية والتأنيث. قوله : (اسمها بلقيس) بالكسر بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن ، قد ولد له أربعون ملكا هي آخرهم ، وكان الملك يملك أرض اليمن كلها ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤا لي ، وأبى أن يتزوج منهم ، فخطب إلى الجن فزوجوه امرأة يقال لها ريحانة بنت السكن ، قيل في سبب وصوله إلى الجن حتى خطب اليهم ، أنه كان كثير الصيد ، فربما اصطاد من الجن وهم على صورة الظباء فيخلي عنهم ، فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقا ، فخطب ابنته فزوجه إياها.
قوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) عطف على قوله : (تَمْلِكُهُمْ) لأنه بمعنى ملكتهم ، قال ابن عباس : كان يخدمها ستمائة امرأة. قوله : (يحتاج اليه الملوك) أشار بذلك إلى أن قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)