النيل ليلا (فَالْتَقَطَهُ) بالتابوت صبيحة الليل (آلُ) أعوان (فِرْعَوْنَ) فوضعوه بين يديه وفتح
____________________________________
على هذا العبد الصالح ، فدل الله عليه ، فآمن به وصدقه. وقيل : لما حملت أم موسى به ، كتمت أمرها عن جميع الناس ، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله ، وذلك شيء ستره الله تعالى ، لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل ، فلما كانت السنة التي ولد فيها ، بعث فرعون القوابل إليهن ، ففتشن النساء تفتيشا ، لم يفتشن قبل ذلك مثله ، وحملت أم موسى. فلم يتغير لونها ولم تكبر بطنها ، وكانت القوابل لا يتعرضن لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها ، ولدته ولا رقيب لها ولا قابلة ، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم ، وأوحى الله إليها (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) وهو البحر ليلا ، وكان لفرعون يومئذ بنت ، وكان بها برص شديد ، وكان لفرعون يومئذ بنت ، لم يكن له ولد غيرها ، وكانت من أكرم الناس عليه ، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إليه ، وكان بها برص شديد ، وكان فرعون قد جمع لها الأطباء والسحرة ، فنظروا في أمرها فقالوا : أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر ، فيوجد فيه شبه الإنسان ، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا ، في شهر كذا ، حين تشرق الشمس ، فلما كان ذلك اليوم ، غدا فرعون إلى مجلس له كان على شفير النيل ، وكانت معه امرأته آسية بنت مزاحم ، وأقبلت بنت فرعون في جواريها ، حتى جلست على شاطىء النيل مع جواريها ، تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن ، إذ أقبل النيل بالتابوت تضر به الأمواج ، فقال فرعون : إن هذا لشيء في البحر قد تعلق بشجرة ائتوني به ، فابتدروه بالسفن من كل ناحية حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه ، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها ، فعالجته ففتحت الباب ، فإذا هي بصبي صغير في التابوت ، وإذا النور بين عينيه ، وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمص منها لبنا ، فألقى الله محبته في قلب آسية ، وأحبه فرعون وعطف عليه ، وأقبلت بنت فرعون ، فلما أخرجوا الصبي من التابوت ، عمدت إلى ما يسيل من ريقه ، فلطخت به برصها ، فبرئت في الحال بإذن الله تعالى ، فقبلته وضمته إلى صدرها ، فقال الغواة من قوم فرعون : أيها الملك ، إنّا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا ، رمي به في البحر خوفا منك ، فهمّ فرعون بقتله فقالت آسية : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) أي فنصيب منه خيرا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) ، وكانت آسية لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها ، وقال فرعون : أما أنا فلا حاجة لي فيه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو قال فرعون يومئذ قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها ، فقيل لآسية سميه : فقالت : سميته موسى ، لأنّا وجدناه في الماء والشجر ، لأن مو هو الماء ، وشا هو الشجر ، فأصل موسى بالمهملة موشى بالمعجمة.
قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) عطف على ما قدره المفسر بقوله : (فأرضعته) الخ. قوله : (صبيحة الليل) أي وكان يوم الاثنين. قوله : (وفتح) أي فتحته آسية بعد أن عالجوه بالفتح والكسر فلم يقدروا. قوله : (في عاقبة الأمر) أشار بذلك إلى أن اللام للعاقبة والصيرورة لا للعلة ، لأن علة التقاطهم أن يكون حبيبا وابنا ، ففي الآية استعارة تبعية في متعلق معنى الحرف ، يقدر تشبيه ترتب نحو العداوة والحزن ، على نحو الالتقاط بترتب العلة الغائية في المحبة والتبني بجامع مطلق الترتب الأعم من الطرفين ، فالترتب الثاني متعلق معنى اللام ، فقدر استعارة الترتب الكلي المشبه به بالترتب الكلي المشبه ، فسرى التشبيه لمعنى