(بِجانِبِ) الجبل أو الوادي أو المكان (الْغَرْبِيِ) من موسى حين المناجاة (إِذْ قَضَيْنا) أوحينا (إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) بالرسالة إلى فرعون وقومه (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٤٤) لذلك فتعلمه فتخبر به (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) أمما بعد موسى (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي طالت أعمارهم فنسوا العهود واندرست العلوم وانقطع الوحي فجئنا بك رسولا وأوحينا إليك خبر موسى وغيره (وَما كُنْتَ ثاوِياً) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) خبر ثان فتعرف قصتهم فتخبر بها (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٤٥) لك وإليك بأخبار المتقدمين (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) الجبل (إِذْ) حين (نادَيْنا) موسى أن خذ الكتاب بقوة (وَلكِنْ) أرسلناك (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) وهم أهل مكة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٦) يتعظون (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ)
____________________________________
أوصافه أنه منور للقلوب ، وهاد من الضلالة ، ورحمة لمن صدق به ، بادر إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ولا يرضى لنفسه بالتواني والكسل والعناد.
قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) الخ ، المقصود من ذلك إقامة الحجة على من كذبه صلىاللهعليهوسلم ، يعني كيف تكذبونه بعد إتيانه بتفاصيل ما حصل للأمم السابقة وأنبيائهم؟ والحال أنكم تعلمون أنه لم يكن حاضرا ذلك ولا مشاهدا له .. قوله : (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) إن قلت : إن هذا معلوم نفيه من قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) فما ثمرة ذكره عقبه؟ أجيب بأنه لا يلزم من كونه هناك على فرض حصول مشاهدته لذلك ، ولذلك قال ابن عباس : لم تحضر ذلك الموضع ، ولو حضرته ما شاهدت ما وقع فيه. قوله : (بعد موسى) أي لأن أنبياء بني إسرائيل الذين يتعبدون بالتوراة كداود وسليمان وزكريا ويحيى وذا الكفل. كائنون بعد موسى. قوله : (واندرست العلوم) أي فكيف يأتيك الخبر من غير وحي. قوله : (وأوحينا إليك خبر موسى وغيره) أي ليكون معجزة لك وتذكيرا لقومك.
قوله : (وَما كُنْتَ ثاوِياً) إن قلت : إن قصة مدين متقدمة على قصة الإرسال ، فكان مقتضى الترتيب ذكرها قبلها. أجيب : بأن المقصود تعداد العجائب من غير نظر للترتيب ، إشارة إلى أن أي واحدة تكفي في إثبات صدقه فيما يخبر به عن ربه. قوله : (مقيما) أي إقامة طويلة تشعر بمعرفتك قصتهم. قوله : (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) متعلق بثاويا. قوله : (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي أنزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار تتلوها عليهم ، ولو لا ذلك ما علمتها ولم تخبرهم بها.
قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أي كما لم تحضر يا محمد جانب المكان الغربي ، إذ أرسل الله موسى إلى فرعون ، فكذلك لم تحضر جانب الطور ، إذ نادينا موسى لما أتى الميقات مع السبعين لأخذ التوراة ، وبين الإرسال وإيتاء التوراة نحو ثلاثين سنة ، وهذا بالنظر للعالم الجسماني لإقامة الحجة على الخصم ، وأما بالنظر للعالم الروحاني ، فهو حاضر رسالة كل رسول ، وما وقع له من لدن آدم إلى أن ظهر بجسمه الشريف ، ولكن لا يخاطب به أهل العناد قوله : (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي لوجودهم في فترة بينك وبين عيسى وهي ستمائة سنة.