لام قسم (جاءَ نَصْرٌ) للمؤمنين (مِنْ رَبِّكَ) فغنموا (لَيَقُولُنَ) حذف منه نون الرفع لتوالي النونات ، والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) في الإيمان فأشركونا في الغنيمة ، قال تعالى (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ) أي بعالم (بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١٠) قلوبهم من الإيمان والنفاق؟ بلى (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) (١١) فيجازي الفريقين ، واللام في الفعلين لام قسم (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) ديننا (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) في اتباعنا إن كانت ، والأمر بمعنى الخبر ، قال تعالى (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٢) في ذلك (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أوزارهم (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) بقولهم للمؤمنين اتبعوا سبيلنا ، وإضلالهم مقلديهم (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (١٣) يكذبون على
____________________________________
قوله : (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، أي ليظهر متعلق علمه للناس ، فيفتضح المنافق ، ويظهر شرف المؤمنين الخالص. قوله : (إن كانت) أي فرض حصولها ، وإلا فهم ليسوا مسلمين أن في اتباعهم خطايا. قوله : (والأمر بمعنى الخبر) أي فالمعنى ليكن منكم الاتباع ومنا الحمل. قوله : (وَأَثْقالاً) أي لأن الدال على الشركين كفاعله ، من غير أن ينقص من وزر الاتباع شيء قوله : (عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) أي يختلفون من الأباطيل التي من جملتها قولهم : (اتبعوا سبيلنا) الخ.
قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) الخ ، لما قدم سبحانه وتعالى تكاليف هذه الأمة ، وبين أن من أطاع فله الجنة ، ومن عصى فله النار ، بين هنا أن هذه التكاليف ليست مختصة بهذه الأمة ، بل من قبلهم كانوا كذلك ، وتقدم أن نوحا اسمه عبد الغفار ، وقيل يشكر ، وكان يسمى السكن ، لأن الناس بعد آدم سكنوا اليه فهو أبوهم ، ولقب بنوح لكثرة نوحه على قومه ، وقيل على خطيئته لما روي أنه مر بكلب فقال في نفسه ما أقبحه ، فأوحى الله اليه أعبتني أم عبت الكلب؟ اخلق أنت أحسن منه ، ونوح هو ابن لمك بن متوشلخ ابن إدريس بن برد بن أهاليل بن قينان بن نوش بن شيث بن آدم عليهالسلام. قوله : (وعمره أربعون سنة أو أكثر) تقدم أنه اختلف في الأكثر ، فقيل بعث على رأس خمسين ، وقيل مائتين وخمسين ، وقيل مائة سنة ، وقيل غير ذلك.
قوله : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ) الخ ، الحكمة في ذكر لبثه هذه المدة ، تسليته صلىاللهعليهوسلم على عدم دخول الكفار في الإسلام ، فكأن الله يقول لنبيه : لا تحزن فإن نوحا لبث هذا العدد الكثير ، ولم يؤمن من قومه إلا القليل ، فصبر وما ضجر ، فأنت أولى بالصبر ، لقلة مدة مكثك وكثرة من آمن من قومك ، والحكمة في المغايرة بين العام والسنة التفنن ، وخص لفظ العام بالخمسين ، إشارة إلى أن نوحا لما غرقوا استراح وبقي في زمن حسن ، والعرب تعبر عن الخصب بالعام ، وعن الجدب بالسنة. قوله : (طاف بهم وعلاهم) أي أحاط بهم وارتفع فوق أعلى جبل أربعين ذراعا. قوله : (الذين كانوا معه فيها) قيل كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة ، وقيل تسعة أولاده الثلاثة وستة من غيرهم وقيل غير ذلك. قوله : (ستين أو أكثر) قيل عاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة.