(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الخوف (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) منهم وهم المقاتلة (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) (٢٦) منهم أي الذراري (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) بعد وهي خيبر أخذت بعد قريظة (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢٧) (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) وهن تسع وطلبن
____________________________________
عقب الأحزاب ، لكون بني قريظة كانوا من جملة الذين تحزبوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ونقضوا عهده وحاربوه ، قال العلماء بالسير : لما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الليلة التي انصرف فيها الأحزاب راجعين إلى بلادهم ، انصرف هو والمؤمنون إلى المدينة ووضعوا السلاح ، فلما كان الظهر ، أتى جبريل وعليه عمامة من إستبرق ، راكبا على بغلة بيضاء ، عليها قطيفة من ديباج ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه ، وقد غسلت شقه الأيمن ، فقال : يا رسول الله قد وضعت السلاح؟ قال : نعم ، قال جبريل : عفا الله عنك ، وما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ، فقال : إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة فانهض اليهم ، فإني قد قطعت أوتارهم ، وفتحت أبوابهم ، وتركتهم في زلزال ، وألقيت الرعب في قلوبهم ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مناديا ينادي : إن من كان مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ، فحاصرهم المسلمون خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتنزلون على حكمي؟ فأبوا فقال : أتنزلون على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس؟ فرضوا به ، فحكمه فيهم ، فقال سعد : إني أحكم فيهم ، أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبى الذراري ـ النساء ـ فقال صلىاللهعليهوسلم : «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات» ، فحبسهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في دار بنت الحرث ، من نساء بني النجار ، ثم خرج إلى سوق المدينة الذي هو سوقها اليوم ، فخندق فيه خندقا ، ثم بعث إليهم ، فأتى بهم اليه وفيهم حيي بن أخطب رئيس بني النضير ، وكعب بن أسد رئيس بني قريظة ، وكانوا ستمائة أو سبعمائة ، فأمر عليا والزبير بضرب أعناقهم ، وطرحهم في ذلك الخندق ، فلما فرغ من قتلهم وانقضى في شأنهم ، توفي سعد المذكور بالجرح الذي أصابه في وقعة الأحزاب ، وحضره رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر وعمر ، قالت عائشة : فو الذي نفس محمد بيده. إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، قالت : وكانوا كما قال الله تعالى (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ). قوله : (وهو ما يتحصن به) أي سواء كان من الحصون أو لا ، حتى الشوكة والقرن وباب الدار ونحو ذلك ، تسمى صيصية.
قوله : (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) بيان لما فعل بهم. قوله : (وهم المقاتلة) أي وكانوا ستمائة وقيل سبعمائة. قوله : (أي الذراري) أي وكانوا سبعمائة وقيل وخمسين. قوله : (بعد) أي الآن وعبر بالماضي لتحقق الحصول. قوله : (وهي خيبر) أي وغيرها من كل أرض ظهر عليها المسلمون بعد ذلك إلى يوم القيامة. قوله : (أخذت بعد قريظة) أي بسنتين أو ثلاث ، على الخلاف المتقدم في قريظة ، هل هي في الرابعة أو الخامسة ، وخيبر كانت في السابعة في أول محرم ، هي مدينة كبيرة ذات حصون ثمانية ، وذات مزارع ونخل كثير ، بينها وبين المدينة الشريفة أربع مراحل ، فأقبل عليها صبيحة النهار ، وفي تلك الليلة لم يصح لهم ديك ولم يتحركوا ، وكان فيها عشرة آلاف مقاتل ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليها وحاصرها ، وبنى هناك مسجدا صلى به طول مقامه عندها ، وقطع من نخلها أربعمائة نخلة ، وسبى أهلها ، وأصاب من سبيها صفية بنت حيي بن أخطب رئيس بني النضير ، وكانت وقعت في سهم دحية الكلبي ، فتنازع بعض حاشية الصاوي على تفسير الجلالين / ج ٥ / م ٣