وَأَصِيلاً) (٤٢) أول النهار وآخره (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) أي يرحمكم (وَمَلائِكَتُهُ) أي يستغفرون لكم (لِيُخْرِجَكُمْ) ليديم إخراجه إياكم (مِنَ الظُّلُماتِ) أي الكفر (إِلَى النُّورِ) أي الإيمان (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤٣) (تَحِيَّتُهُمْ) منه تعالى (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) بلسان الملائكة (وَأَعَدَّ لَهُمْ
____________________________________
والمقصود من ذكر العباد ربهم كون الله يذكرهم ، قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وليس المقصود منه انتفاعه تعالى بذلك ، تنزه الله عن أن يصل له من عباده نفع أو ضر ، قال تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) فذكرنا لأنفسنا ، لأنه لا غنى لنا عن ربنا طرفة عين ، وإذا كان كذلك ، فلا تليق الغفلة عنه أبدا ، بل المطلوب ذكره دائما وأبدا ، واعلم أن الله تعالى لم يفرض فريضة على عباده ، إلا جعل لها حدا معلوما ، وعذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فلم يجعل له حدا ، ولم يعذر أحدا في تركه ، إلا من كان مغلوبا على عقله ، ولذا أمرهم به في جميع الأحوال ، قال تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) ففيه إشارة إلى أن الذكر أمره عظيم وفضله جسيم. قوله : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) خص التسبيح بالذكر وإن كان داخلا فيه ، لكونه أعلى مراتبه ، وحكمة تخصيص التسبيح بهذين الوقتين ، لكونهما أشرف الأوقات ، بسبب تنزل الملائكة فيهما.
قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) استئناف في معنى التعليل للأمر بالذكر والتسبيح. قوله : (وَمَلائِكَتُهُ) عطف على الضمير المستتر في (يُصَلِّي) والفاصل موجود. قوله : (أي يستغفرون لكم) أي يطلبون لكم من الله المغفرة ، قال تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) الآيات. قوله : (ليديم إخراجه إياكم) جواب عما يقال : إن إخراجه إيانا من الظلمات حاصل بمجرد الإيمان ، وإيضاح الجواب : أن المراد دوام هذا الإخراج ، لأن الغفلة عن الخالق إذا دامت ، ربما أخرجت العبد من النور والعياذ بالله. قوله : (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) جمع الأول لتعداد أنواع الكفر ، وأفرد الثاني لأن الإيمان شيء واحد لا تعدد فيه ، فمن ادعى الإيمان ، وأثبت التعدد والمخالفة ، فهو ضال مضل ، خارج عن السنة والجماعة.
قوله : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) أي يقبل القليل من أعمالهم ، ويعفو عن الكثير من ذنوبهم ، حيث أخلصوا في إيمانهم. قوله : (تَحِيَّتُهُمْ) (منه تعالى) أي التحية الصادرة منه تعالى ، زيادة في الاعتناء بهم ، وتعظيما لقدرهم. قوله : (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ) اختلف في وقت اللقى ، فقيل : عند الموت ، وقيل : عند الخروج من القبور ، وقيل : عند دخول الجنة. قوله : (بلسان الملائكة) أي لما ورد : إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن يقول له : ربك يقرئك السّلام ، وفي الحقيقة هم يسمعون السّلام من الله ومن الملائكة ومن الخلق غيرهم ، قال تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) وقال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ). وقال تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً). قوله : (هو الجنة) أي وما فيها من النعيم المقيم. قوله : (على من أرسلت إليهم) أي لتترقب أحوالهم ، وتكون مشاهدا لما صدر منهم من الأعمال الحسنة والقبيحة ، فالأعمال تعرض عليه حيا وميتا ، ويصح أن يكون المراد شاهدا يوم القيامة للمؤمنين وعلى الكافرين ، فهو مقبول الدعوى ، لا يحتاج في دعواه إلى شهادة أحد ، فيشهد للأنبياء بالتبليغ ، وعلى الأمم إما بالتصديق أو بالتكذيب. قوله : (بأمره) دفع بذلك