عِنْدَ اللهِ) ذنبا (عَظِيماً) (٥٣) (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ) في نكاحهن بعده (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٥٤) فيجازيكم عليه (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَ) أي المؤمنات (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) من الإماء والعبيد أن يروهن ويكلموهن من غير حجاب (وَاتَّقِينَ اللهَ) فيما أمرتن به (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٥٥) لا يخفى عليه شيء (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) محمد صلىاللهعليهوسلم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) أي قولوا : اللهم صل على محمد وسلم (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ
____________________________________
بعد وفاته أو فراقه ، ولو قبل الدخول بها ، لأن كل من عقد عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتأبد تحريمها على أمته ، وأما إماؤه فلا يحرمن على غيره إلا بمسه لهن. قوله : (إِنَّ ذلِكُمْ) أي ما ذكر من إيذائه ونكاح أزواجه من بعده. قوله : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) أي تظهروه على ألسنتكم ، وقوله : (أَوْ تُخْفُوهُ) أي في صدوركم ، وقوله : (فيجازيكم عليه) جواب الشرط ، وقوله : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) تعليل للجواب وهو بمعنى قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ).
قوله : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ) إلخ ، هذا في المعنى مستثنى من قوله : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً) الآية ، روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال آباؤهنّ وأبناؤهن : يا رسول الله أو نكلمهن أيضا من وراء حجاب ، فنزلت هذه الآية. وقوله : (فِي آبائِهِنَ) أي أصولهن وإن علوا ، وقوله : (وَلا أَبْنائِهِنَ) المراد فروعهن وإن سفلوا. قوله : (وَلا نِسائِهِنَ) الإضافة من حيث المشاركة في الوصف وهو الإسلام ، فقول المفسر (أي المؤمنات) تفسير للمضاف ، ومفهومه أن النساء الكافرات ، لا يجوز لهن النظر لأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم وهو كذلك ، ولا مفهوم لأزواج النبي ، بل جميع النساء المسلمات كذلك ، فلا يحل للمسلمة أن تبدي شيئا منها للكافرة ، لئلا تصفها لزوجها الكافر. قوله : (وَاتَّقِينَ اللهَ) عطف على محذوف ، والتقدير امتثلن ما أمرتن به ، واتقين الله ، وحكمة تخصيص الحجاب هنا بأمهات المؤمنين ، وإن تقدم في سورة النور عموما دفع توهم أن أزواج النبي كالأمهات من كل وجه ، فأفاد هنا أنهن كالأمهات في التعظيم والتوقير ، لا في الخلوة والنظر ، فإنهن كالأجانب بل هن أشد ، فذكر لهن حجابا مخصوصا ، فلا يقال إنه مكرر مع ما تقدم في النور. قوله : (لا يخفى عليه شيء) أي من الطاعات والمعاصي الظاهرة والخفية.
قوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) إلخ ، هذه الآية فيها أعظم دليل على أنه صلىاللهعليهوسلم مهبط الرحمات ، وأفضل الخلق على الإطلاق ، إذ الصلاة من الله على نبيه ، ورحمته المقرونة بالتعظيم ، ومن الله على غير النبي مطلق الرحمة ، لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) فانظر الفرق بين الصلاتين ، والفضل بين المقامين. قوله : (وَمَلائِكَتَهُ) بالنصب معطوف على اسم (إِنَ) ، وقوله : (يُصَلُّونَ) خبر عن الملائكة ، وخبر لفظ الجلالة محذوف تقديره : إن الله يصلي وملائكته يصلون ، وهذا هو الأتم لتغاير الصلاتين ، والمراد بالملائكة جميعهم ، والصلاة من الملائكة الدعاء للنبي بما يليق به ، وهو الرحمة المقرونة بالتعظيم ، وحينئذ فقد وسعت رحمة النبي كل شيء ، تبعا لرحمة الله ، فصار بذلك مهبط الرحمات ، ومنبع التجليات.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) أي ادعوا له بما يليق به ، وحكمة صلاة الملائكة والمؤمنين