اللهَ وَرَسُولَهُ) وهم الكفار ، يصفون الله بما هو منزه عنه من الولد والشريك ، ويكذبون رسوله (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أبعدهم (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٥٧) ذا إهانة وهو النار (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) يرمونهم بغير ما عملوا (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً) تحملوا
____________________________________
على النبي تشريفهم بذلك ، حيث اقتدوا بالله في مطلق الصلاة ، وإظهار تعظيمه صلىاللهعليهوسلم ، ومكافأة لبعض حقوقه على الخلق ، لأنه الواسطة العظمى في كل نعمة وصلت لهم ، وحق على من وصل له نعمة من شخص أن يكافئه ، فصلاة جميع الخلق عليه ، مكافأة لبعض ما يجب عليهم من حقوقه. إن قلت : إن صلاتهم طلب من الله أن يصلي عليه ، وهو مصل عليه مطلقا طلبوا أو لا؟ أجيب : بأن الخلق لما كانوا عاجزين عن مكافأته صلىاللهعليهوسلم ؛ طلبوا من القادر المالك أن يكافئه ، ولا شك أن الصلاة الواصلة للنبي صلىاللهعليهوسلم من الله لا تقف عند حد ، فكلما طلبت من الله ، زادت على نبيه ، فهي دائمة بدوام الله.
قوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) إن قلت : خص السّلام بالمؤمنين ، دون الله والملائكة. أجيب بأن هذه الآية لما ذكرت عقب ذكر ما يؤذي النبي ، والأذية إنما هي من البشر ، فناسب للتخصيص بهم ، لأن في السّلام سلامة من الآفات ، وأكد السّلام دون الصلاة ، لأنها لما أسندت لله وملائكته ، كانت غنية عن التأكيد. واعلم أن العلماء اتفقوا على وجوب الصلاة والسّلام على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم اختلفوا في تعيين الواجب ، فعند مالك تجب الصلاة والسّلام في العمر مرة ، وعند الشافعي تجب في التشهد الأخير من كل فرض ، وعند غيرهما تجب في كل مجلس مرة ، وقيل : تجب عند ذكره ، وقيل : يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد ، وبالجملة فالصلاة على النبي أمرها عظيم ، وفضلها جسيم ، وهي من أفضل الطاعات ، وأجل القربات ، حتى قال بعض العارفين : إنها توصل إلى الله تعالى من غير شيخ ، لأن الشيخ والسند فيها صاحبها ، لأن تعرض عليه ، ويصلى على المصلي بخلاف غيرها من الأذكار ، فلا بد فيها من الشيخ العارف ، وإلا دخلها الشيطان ، ولم ينتفع صاحبها بها. قوله : (أي قولوا اللهم صلّ على محمد وسلم) أي اجمعوا بين الصلاة والسّلام ، وصيغ الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم كثيرة لا تحصى وأفضلها ما ذكره فيه لفظ الآل والصحب ، فمن تمسك بأي صيغة منها ، حصل له الخير العظيم.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الإيذاء في حق الله معناه تعدي حدوده ، وفي حق الرسول ظاهر. قوله : (وهم الكفار) أي اليهود والنصارى والمشركون. قوله : (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا) أي حجبهم عن الطاعة والتوحيد. قوله : (وَالْآخِرَةِ) أي بتخليدهم في العذاب الدائم. قوله : (أبعدهم) أي عن رحمته. قوله : (ذا إهانة) أي هوان واستخفاف.
قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ) إلخ ، قيل : نزلت في علي بن أبي طالب ، كانوا يؤذونه ويسمعونه ، وقيل : نزلت في شأن عائشة رضي الله عنها ، وقيل : نزلت في شأن المنافقين الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يطلبون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فإن سكتت المرأة اتبعوها ، وإن زجرتهم انتهوا عنها ، وفي هذه الآية زجر لمن يسيء الظن بالمؤمنين والمؤمنات ، ويتكلم فيهم من غير علم ، وهي بمعنى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).