كذبا (وَإِثْماً مُبِيناً) (٥٨) بينا (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة ، أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن ، إلا عينا واحدة (ذلِكَ أَدْنى) أقرب إلى (أَنْ يُعْرَفْنَ) بأنهن حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) بالتعرض لهن ، بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن ، فكان المنافقون يتعرضون لهن (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف منهن من ترك الستر (رَحِيماً) (٥٩) بهن إذ سترهن (لَئِنْ) لام قسم (لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عن نفاقهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) بالزنا (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) المؤمنين بقولهم : قد أتاكم العدو ، وسراياكم قتلوا أو هزموا (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنسلطنك عليهم (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) يساكنونك (فِيها إِلَّا قَلِيلاً) (٦٠) ثم يخرجون (مَلْعُونِينَ) مبعدين عن الرحمة (أَيْنَما ثُقِفُوا) وجدوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٦١) أي الحكم فيهم هذا على جهة الأمر به (سُنَّةَ اللهِ) أي سن الله ذلك (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) من الأمم الماضية في منافقيهم المرجفين المؤمنين (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (٦٢) منه (يَسْئَلُكَ النَّاسُ) أي أهل مكة (عَنِ السَّاعَةِ) متى تكون (قُلْ
____________________________________
قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) إلخ ، سبب نزولها : أن المنافقين كانوا يتعرضون للنساء بالأذية ، يريدون منهن الزنا ، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة ، لأن زي الكل واحد ، تخرج الحرة والأمة في درع وخمار ، فتكون ذلك لأزواجهن ، فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت. قوله : (يُدْنِينَ) أي يرخين ويغطين. قوله : (التي تشتمل بها) أي تتغطى وتتستر بها المرأة من فوق الدرع والخمار. قوله : (فلا يغطين وجوههن) أي فكن لا يغطين وجوههن ، وهذا فيما مضى ، وأما الآن فالواجب على الحرة والأمة الستر بثياب غير مزينة خوف الفتنة. قوله : (لما سلف منهن من ترك الستر) ورد أن عمر بن الخطاب مر بجارية متقنعة ، فعلاها بالدرة وقال لها أتتشبهين بالحرائر يا لكاع ، ألقي القناع.
قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) أي كعبد الله بن أبي وأصحابه. قوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي فجور وهم الزناة ، وهم من جملة المنافقين. قوله : (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) أي بالكذب ، وذلك أن ناسا منهم كانوا إذا خرجت سراياه صلىاللهعليهوسلم يوقعون في الناس أنهم قد قتلوا وهزموا ويقولون : قد أتاكم العدو. قوله : (لنسلطنك عليهم) أي فتخرجهم من مجلسك وتقتلهم ، وقد فعل بهم صلىاللهعليهوسلم ذلك ، فإنه لما نزلت في سورة براءة ، جمعهم وصعد على المنبر فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : يا فلان قم فاخرج فإنك منافق ، ويا فلان قم ، فقام إخوانهم من المسلمين ، وتولوا إخراجهم من المسجد. قوله : (مَلْعُونِينَ) حال من محذوف قدره المفسر بقوله : (ثم يخرجون). قوله : (أي الحكم فيهم هذا) أي الأخذ والقتل. قوله : (على جهة الأمر به) أي أن الآية خبر بمعنى الأمر. (أي سن الله ذلك) أشار بذلك إلى أن سنة مصدر مؤكد ، وفيه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أي فلا تحزن على وجود المنافقين في قومك ، فإنه سنة قديمة ، كما كان في قوم موسى ، منهم موسى السامري وأتباعه ، وقارون وأتباعه. قوله : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي تغييرا ونسخا ، لكونها بنيت على أساس متين ، فليست مثل الأحكام التي تتبدل وتنسخ.
قوله : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ) أي على سبيل الاستهزاء والسخرية ، لأنهم ينكرونها. واعلم أن السائل للنبي