وقلنا (أَنِ اعْمَلْ) منه (سابِغاتٍ) دروعا كوامل يجرها لابسها على الأرض (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي نسج الدروع ، قيل لصانعها سرّاد ، أي اجعله بحيث تتناسب حلقه (وَاعْمَلُوا) أي آل داود معه (صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١) فأجازيكم به (وَ) سخرنا (لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) وقراءة الرفع بتقدير تسخير (غُدُوُّها) مسيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال (شَهْرٌ وَرَواحُها) سيرها من الزوال إلى الغروب (شَهْرٌ) أي مسيرته (وَأَسَلْنا) أذبنا (لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي
____________________________________
وقيل : كان إذا أدركه فتور ، أسمعه الله تسبيح الجبال فينشط له. قوله : (عطفا على محل الجبال) أي لأن محله نصب ، لكونه منادى مفردا ، أو مفعولا معه ، وقرىء بالرفع عطف على لفظ الجبال ، تشبيها للحركة البنائية بالحركة الإعرابية ، قال ابن مالك :
وإن يكن مصحوب أل ما نسقا |
|
ففيه وجهان ورفع ينتقى |
قوله : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) سبب ذلك : أن الله تعالى أرسل ملكا في صورة رجل ، فسأله داود عن حال نفسه فقال له : ما تقول في داود؟ فقال : نعم هو لو لا خصلة فيه ، فقال داود : ما هي؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، فسأل داود ربه أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال ، فألان الله له الحديد ، وعلمه صنعة الدروع ، فهو أول من اتخذها ، وكانت قبل ذلك صفائح ، قيل : كان يعمل كل يوم درعا ويبيعها بأربعة آلاف درهم ، وينفق ويتصدق منها ، فلذا قال صلىاللهعليهوسلم : «كان داود لا يأكل إلا من عمل يده». قوله : (فكان في يده كالعجين) أي من غير نار ولا آلة. قوله : (دروعا كوامل) أشار بذلك إلى أن (سابِغاتٍ) صفة لموصوف محذوف.
قوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) اختلف في معنى الآية فقيل : اجعله على سبيل الحاجة ولا تنهمك فيه ، بل اشتغل بعبادة ربك ، وقيل : قدر المسامير في حلق الدروع ، لا غلاظا ولا دقاقا ، ورد ذلك بأنه لم يكن في حلقها مسامير لعدم الحاجة إليها بسبب إلانة الحديد ، وحينئذ فالأظهر ما قاله المفسر من أن السرد الدروع ، والتقدير اجعل كل حلقة مساوية لأختها ضيقة ، لا ينفذ منها السهم في الغلظ ، لا تقبل الكسر ، ولا تثقل حاملها ، والكل نسبة واحدة. قوله : (بحيث تتناسب حلقه) بفتحتين أو بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون أو بفتحتين. قوله : (أي آل داود) تفسير للواو في (اعْمَلُوا). قوله : (صالِحاً) أي عملا صالحا ، ولا تتكلوا على عز أبيكم وجاهه. قوله : (فأجازيكم عليه) أي إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
قوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف قدره المفسر بقوله : (سخرنا) بدليل التصريح به في قوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ). قوله : (بتقدير تسخير) أي فالجار والمجرور خبر مقدم ، و (الرِّيحَ) مبتدأ مؤخر على حذف مضاف ، والأصل وتسخير الريح كائن لسليمان ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه. قوله : (غُدُوُّها شَهْرٌ) مبتدأ وخبر ، والمعنى سيرها من الغداة إلى الزوال ، مسيرة شهر للسائر المجد ، ومن الزوال للغروب مسيرة شهر ، عن الحسن : كان سليمان يغدو من دمشق فيقيل في اصطخر ، وبينهما مسيرة شهر ، ثم يروح من اصطخر فيبيت ببابل ، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع ، وتقدم أن الريح تحمل البساط بجيوشه لأي جهة توجه إليها ، فالعاصف تقلع البساط ، والرخاء تسيره.