النحاس فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ) بأمر (رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ) يعدل (مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) له بطاعته (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) (١٢) النار في الآخرة ، وقيل في الدنيا بأن يضربه ملك بسوط منها ضربة تحرقه (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج (وَتَماثِيلَ) جمع تمثال ، وهو كل شيء مثلته بشيء ، أي صور من نحاس وزجاج ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حراما في شريعته (وَجِفانٍ) جمع جفنة (كَالْجَوابِ) جمع جابية ، وهي حوض كبير ، يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها ، تتخذ من الجبال باليمن ، يصعد إليها بالسلالم ، وقلنا (اعْمَلُوا) يا (آلَ داوُدَ) بطاعة الله (شُكْراً) له على ما آتاكم (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣) العامل بطاعتي شكرا لنعمتي
____________________________________
قوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي جعلنا النحاس في معدنه جاريا كالعين النابعة من الأرض ، وكانت تلك العين باليمن. قوله : (فأجريت له ثلاثة أيام) قيل : مرة واحدة ، وقيل : كان يسيل في كل شهر ثلاثة أيام. قوله : (وعمل الناس) إلخ ، مبتدأ خبره قوله : (مما أعطي سليمان) أي صنع الناس النحاس ، وإذابته بالنار من آثار كرامة سليمان ، لأنه قبل ذلك لم يكن يلين بنار ولا غيرها. قوله : (مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) يصح أن يكون مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله ، ويصح أن يكون مفعولا لمحذوف تقديره : وسخرنا من الجن من يعمل ، ومن على كل حال واقعة على فريق. قوله : (بطاعته) أي بطاعة سليمان. قوله : (بأن يضربه ملك) إلخ ، أي فقد وكل الله ملكا بالجن المسخرين لسليمان ، وجعل في يده سوطا من نار ، فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ، ضربه بذلك السوط ضربة أحرقته. قوله : (أبنية مرتفعة) أي مساجد وغيرها ، وسميت بذلك لأن صاحبها يحارب فيها غيره لحمايتها ، وقيل : المراد بالمحاريب خصوص المساجد ، والأقرب ما قاله المفسر ، وليس المراد بها الطاقات التي تقف فيها الأئمة في المساجد ، إذ هي حادثة في المساجد بعد زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وسميت بالمحاريب تشبيها لها بالأبنية المرتفعة ، لأنها رفيعة القدر ، ولذا خصوها بالأئمة.
قوله : (وَتَماثِيلَ) قال بعضهم : إنها صور الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام والعلماء ، كانت تصور في المساجد ليراها الناس ، فيزدادوا عبادة واجتهادا ، يدل على ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح ، بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصورة» أي ليذكروا عبادتهم ، فيجتهدوا في العبادة. قوله : (ولم يكن اتخاذ الصور حراما) إلخ ، جواب عما يقال : إن اتخاذ الصور حرام ، فكيف يليق اتخاذها من سليمان؟ واعلم أن اتخاذ الصور أولا ، كان لمقصد حسن ، فلما ساء المقصد بسبب اتخاذها آلهة تعبد من دون الله ، حرم الله ، اتخاذها على العباد. قوله : (وهي حوض كبير) أي وسمي جابية ، لأن الماء يجبى فيه أي يجمع. قوله : (آلَ داوُدَ) المراد سليمان وأهل بيته. قوله : (شُكْراً) مفعول لأجله ، أي اعملوا لأجل الشكر لله ، على ما أعطاكم من تلك النعم العظيمة التي لا تضاهى ، وهذا أعظم المقاصد ، وهو العمل لأجل شكر الله على نعمه ، فالواجب على العباد خدمة الله وطاعته لذاته وسابق نعمه عليهم حيث أوجدهم من العدم ، وجعل لهم السمع والبصر والأفئدة والعافية ، وغير ذلك من أنواع النعم التي لا