(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ) على سليمان (الْمَوْتَ) أي مات ومكث قائما على عصاه حولا ميتا ، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة على عادتها ، لا تشعر بموته ، حتى أكلت الأرضة عصاه ،
____________________________________
تحصى. قوله : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) أي لكون هذا المقصد عزيزا ، لم يوفق له إلا القليل من الناس ، وغالب الناس عبادتهم وطاعتهم ، إما لأجل طلب الدنيا ، أو خوفا من النار وطمعا في الجنة.
فائدة ـ من جملة عمل الجن لسليمان بيت المقدس ، وذلك أن داود ابتدأ بناءه في موضع فسطاط موسى التي كان ينزل فيها ، فرفعه قدر قامة ، فأوحى الله إليه لم يكن تمامه على يديك ، بل على يد ابن لك اسمه سليمان ، فلما قضى على داود ، واستخلف سليمان وأحب إتمامه ، جمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال ، فأرسل بعضهم في تحصيل الرخام ، وبعضهم في تحصيل البلور من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفائح ، فلما فرغ منها ، ابتدأ في بناء المسجد ، فوجه الشياطين فرقا منهم من يستخرج الجواهر واليواقيت والدر الصافي في أماكنها ، ومنهم من يأتيه بالمسك والطيب والعنبر من أماكنه ، فأتي من ذلك بشيء كثير ، ثم أحضر الصناع لنحت تلك الأحجار ، واصلاح تلك الجواهر ، وثقب تلك اليواقيت واللآلىء ، فبناه بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر ، وجعل عمده من البلور الصافي ، وسقفه بأنواع الجواهر ، وبسط أرضه بالعنبر ، فلم يكن على وجه الأرض يومئذ بيت أبهى ولا أنور منه ، فكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلم يزل على هذا البناء حتى غزاه بختنصر ، فخرب المدينة وهدمه ، وأخذ ما فيه من الذهب والفضة وسائر أنواع الجواهر ، وحمله إلى ملكه بالعراق حين بطرت بنوا إسرائيل النعم ، وقتلوا زكريا ويحيى ، وكان ابتداء بيت المقدس في السنة الرابعة من ملك سليمان ، وكان عمره سبعا وستين سنة ، وملك وهو ابن سبع عشرة ، وكان ملكه خمسين سنة ، وقرب بعد فراغه منه ، اثني عشر ألف ثور ، ومائة وعشرين ألف شاة ، واتخذ اليوم الذي فرغ فيه من بنائه عيدا ، وقام على الصخرة رافعا يديه إلى الله تعالى بالدعاء وقال : اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان ، وقويتني على بناء هذا المسجد ، اللهم فاوزعني شكرك على ما أنعمت علي ، وتوفني على ملتك ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، اللهم إني اسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : لا يدخله مذنب دخل للتوبة إلا غفرت له وتبت عليه ، ولا خائف إلا أمنته ، ولا سقيم إلا شفتيه ، ولا فقير إلا أغنيته والخامسة أن لا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه ، إلا من أراد إلحادا ، أو ظلما يا رب العالمين ، وروي أن سليمان لما بنى بيت المقدس ، سأل الله تعالى خلالا ثلاثا : حكما يصادف حكمه فأوتيه ، وسأل الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله حين فرغ من بنائه ، أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه ، إذا علمت ذلك ، فبيت المقدس تم بناؤه وهو حي ، وهو الصحيح.
قوله : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) إلخ ، روي أن سليمان كان يتجرد للعبادة في بيت المقدس السنة والسنتين ، والشهر والشهرين ، فيدخل فيه ومعه طعامه وشرابه ، فلما أعلمه الله بوقت موته قال : اللهم أخف على الجن موتي ، حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ، وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون في الغيب أشياء ، وأنهم يعلمون ما في غد ، ثم لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي ، واتكأ على عصاه على كرسيه فمات ، فكان الجن ينظرون إليه ويحسبون أنه حي ، ولا ينكرون احتباسه على الخروج إلى الناس ، لتكرره منه قبل ذلك ، فالحكمة في إخفاء موته ، ظهور أن الجن لا يعلمون الغيب ، لا