في أرض سبأ (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) ليس بها سباخ ، ولا بعوضة ، ولا ذبابة ، ولا برغوث ، ولا عقرب ، ولا حية ، ويمر الغريب فيها وفي ثيابه قمل فيموت لطيب هوائها (وَ) الله (رَبٌّ غَفُورٌ) (١٥) (فَأَعْرَضُوا) عن شكره وكفروا (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) جمع عرمة ، وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته ، أي سيل واديهم الممسوك بما ذكر ، فأغرق جنتيهم وأموالهم (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ) تثنية ذوات مفرد على الأصل (أُكُلٍ خَمْطٍ) مرّ بشع ، بإضافة أكل بمعنى مأكول وتركها ويعطف عليه (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (١٦) (ذلِكَ) التبديل (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) بكفرهم (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (١٧) بالياء والنون مع كسر
____________________________________
(عن يمين واديهم وشماله) هذا أحد قولين ، وقيل : عن يمين الذاهب وشماله. قوله : (وقيل لهم) أي على لسان أنبيائهم ، لأنه بعث لهم ثلاثة عشر نبيا ، فدعوهم إلى الله وذكروهم بنعمه ، وهذا الأمر للإذن والإباحة. قوله : (وَاشْكُرُوا لَهُ) أي اصرفوا نعمه في مصارفها. قوله : (أرض سبأ) إلخ ، أشار بذلك إلى أن قوله : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) خبر لمحذوف ، فهو كلام مستأنف. قوله : (ليس بها سباخ) جمع سبخة وهي الأرض ذات الملح. قوله : (ولا بعوضة) البعوض البق ، وقوله : (ولا برغوث) بضم الباء. قوله : (فيموت) أي القمل ومثله باقي الهوام. قوله : (وَرَبٌّ غَفُورٌ) أي يستر ذنبوكم. قوله : (فَأَعْرَضُوا) (عن شكره) أي عن أمره واتباع رسله ، لما روي أنه أرسل الرسل لهم ثلاثة عشر نبيا ، فدعوهم إلى الله وذكروهم بنعمه وأنذروهم عقابه ، فكذبوهم وقالوا : ما نعرف لله علينا نعمة فقولوا له ، فليحبس عنا هذه النعم إن استطاع وكان لهم رئيس يلقب بالحمار ، وكان له ولد فمات ، فرفعه رأسه إلى السماء فبزق وكفر ، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه للكفر ، فإن أجابه وإلا قتله. قوله : (وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره) أي فكان واديهم أرضا متسعة بين جبال شامخة ، فبنت بلقيس سدا حول ذلك الوادي بالصخر والقار ، وجعلت له أبوابا ثلاثة ، بعضها فوق بعض ، وصار ماء يتساقط من الجبال خلف السد من كل جهة ، فكانوا يسقون من الأعلى ، ثم من الأوسط ، ثم من الأدنى ؛ على حسب علو الماء وهبوطه ، فالعرم هو هذا السد ، وقيل : العرم اسم للفأر الذي نقب السد لما ورد أنهم كانوا يزعمون أنهم يجدون في كهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة ، فلم يتركوا فرجة بين صخرتين ، إلا ربطوا إلى جانبها هرة ، فلما جاء ما أراده بهم ، أقبلت فأرة حمراء إلى بعض تلك الهررة ، فثاورتها حتى استأخرت على الحجر ، ثم وثبت ودخلت في الفرجة التي عندها ، ونقبت السد حتى وهنته للسيل وهم لا يدرون ، فلما جاء السيل ، دخل تلك الفرجة حتى بلغ السد ، وفاض الماء على أموالهم فأغرقها ودفن بيوتهم.
قوله : (جَنَّتَيْنِ) تسميتها بذلك تهكم بهم لمشاكله الأول. قوله : (مفرد في الأصل) أي لأن أصلها ذوية ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها ، قلبت ألفا فصار ذوات ، ثم حذفت الواو تخفيفا ، ففي تثنيته وجهان : اعتبار الأصل ، واعتبار العارض ، فالأول ذواتان ، والثاني ذاتان. قوله : (مر بشع) قيل : هو شجر الأراك. وقيل : كل شجر له شوك. قوله : (بإضافة أكل) أي بضم الكاف لا غير ، وقوله : (وتركها) أي بضم الكاف وسكونها ، فالقراءات ثلاث سبعيات. قوله : (ويعطف عليه) أي على أكل. قوله : (مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) الصحيح أن السدر وهو النبق نوعان : نوع يؤكل ثمره وينتفع بورقه ، وهو له ثمر غض ، لا