الزاي ونصب الكفور ، أي ما يناقش إلا هو (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) بين سبأ وهم باليمن (وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر ، وهي قرى الشام التي يسيرون إليها للتجارة (قُرىً ظاهِرَةً) متواصلة من اليمن إلى الشام (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) بحيث يقيلون في واحدة ، ويبيتون في أخرى ، إلى انتهاء سفرهم ، ولا يحتاجون فيه إلى حمل زاد وماء ، أي وقلنا (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) (١٨) لا تخافون في ليل ولا في نهار (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ) وفي قراءة باعد (بَيْنَ أَسْفارِنا) إلى الشام اجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل وحمل الزاد والماء ، فبطروا النعمة (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم في ذلك (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) فرقناهم في البلاد كل التفريق (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ) عبرا (لِكُلِّ صَبَّارٍ) عن المعاصي (شَكُورٍ) (١٩) على النعم (وَلَقَدْ صَدَّقَ) بالتخفيف والتشديد (عَلَيْهِمْ) أي الكفار منهم سبأ (إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) أنهم بإغوائه يتبعونه (فَاتَّبَعُوهُ) فصدق بالتخفيف في ظنه ، أو صدق بالتشديد ظنه ، أي وجده صادقا (إِلَّا) بمعنى لكن (فَرِيقاً مِنَ
____________________________________
يؤكل أصلا ، ولا ينتفع بورقه ، وهو المسمى بالضال ، وهو المراد هنا. قوله : (ذلِكَ) مفعول ثان لجزينا مقدم عليه. قوله : (بكفرهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية. قوله : (بالياء والنون) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أي ما يناقش إلا هو) أشار بذلك إلى أن الحصر منصب على المناقشة والتدقيق في الحساب والمؤاخذة بكل الذنوب ، وإلا فمطلق المجازاة تكون للمؤمن والكافر ، لكن المؤمن يعامل بالفضل والكافر يعامل بالعدل.
قوله : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) عطف على ما تقدم ، عطف قصة على قصة. قوله : (قُرىً ظاهِرَةً) قيل : كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية ، متصلة من سبأ إلى الشام. قوله : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي جعلنا السير بين قراهم ، وبين القرى المباركة ، سيرا مقدرا ، من منزل إلى منزل ، ومن قرية إلى قرية. قوله : (ولا يحتاجون فيه إلى حمل زاد وماء) أي فكانوا يسيرون غير جائعين ولا ظامئين ولا خائفين ، مسيرة أربعة أشهر في أماكن لا يحرك بعضهم بعضا ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لا يحركه.
قوله : (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) أي لما بطروا وطغوا وكرهوا الراحة ، تمنوا طول السفر والتعب في المعايش ، نظير قول بني إسرائيل (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) الآية ، وكتمني أهل مكة العذاب بقولهم : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) الآية. قوله : (مفاوز) جمع مفازة وهو الموضع المهلك ، مأخوذ من فوز بالتشديد إذا مات ، وقيل : من فاز إذا نجا وسلم ، سمي بذلك تفاؤلا بالسلامة. قوله : (أَحادِيثَ) أي يتحدث بأخبارهم. قوله : (فرقناهم في البلاد) أي لضيق عيشهم وخراب أماكنهم ، وهي سنة باقية في كل من بطر النعمة وظلم ، فقد أفادنا الله في تلك الآيات ، أنه أصابهم بنعمتين ، وابتلاهم بنقمتين. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (ظَنَّهُ) أي وسبب ظنه ، إما رؤيته إنهماكهم في الشهوات ، أو قول الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) أو وسوسته لآدم في الجنة فأخرج منها ، فظن ضعف أولاده بالنسبة له ، وإن كان لم تؤثر وسوسته لآدم. قوله :