(حَتَّى إِذا فُزِّعَ) بالبناء للفاعل وللمفعول (عَنْ قُلُوبِهِمْ) كشف عنها الفزع بالإذن فيها
____________________________________
الكفر ، فكيف يطلبون الشفاعة بالكفر المقتضي للغضب ، وعدم الإذن في الشافعة؟ إن هذا الزعم باطل. قوله : (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) يصح وقوع من على الشافعين ، والمعنى إلا لشافع أذن له في الشفاعة ، ويصح وقوعها على المشفوع لهم ، والمعنى لا تنفع الشفاعة إلا لمشفوع أذن أن يشفع له ، فاللام على كل حال متعلقة بأذن ، والضمير عائد على الموصول وفيه الوجهان. قوله : (بفتح الهمزة) أي والضمير عائد على الله تعالى لذكره أولا ، وقوله : (وضمها) أي بالبناء للمفعول ، والآذن هو الله تعالى ، والقراءتان سبعيتان.
قوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) غاية في محذوف تقديره يتربصون ويتوقعون مدة من الزمان ، فزعين حتى إذا فزع إلى آخره ، والتضعيف للسلب كالهمزة ، كما أشار له بقوله : (كشف عنها الفزع) والمعنى : حتى إذا أزيل الفزع من قلوب الشافعين والمشفوع لهم ، بكلمة يتكلم بها رب العزة في الإذن بالشفاعة سأل بعضهم بعضا. قوله : (بالبناء للفاعل) أي والفاعل ضمير يعود على الله ، وقوله : (والمفعول) أي والجار والمجرور نائب الفاعل ، والقراءتان سبعيتان. قوله : (استبشارا) أي لزوال الكرب والحزن عن القلوب ، واختلف هل هذا الأمر في الآخرة أو الدنيا؟ فقيل في الآخرة ، ويؤيده ما في سورة النبأ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) وعلى هذا فيكون في الكلام حذف ، والتقدير لا تنفع الشفاعة عنده يوم القيامة ، إلا لمن أذن له ، ففزع ما ورد على القلوب من المهابة ، حتى إذا ذهب الفزع عن قلوبهم ، سأل بعضهم بعضا ، وقيل : في الدنيا ، ويؤيده ما ورد عن النبي صلىاللهعليهوسلم «إن الله تعالى إذا أراد أن يوحي بأمر وتكلم بالوحي ، أخذت السماوات والأرض منه رجفة أو رعدة شديدة خوفا من الله تعالى ، فإذا سمع أهل السماوات بذلك ، صعقوا وخروا لله سجدا ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه الله تعالى ويقول له من وحيه ما أراد ، ثم يمر جبريل بالملائكة ، كلما مر بسماء سأله ملائكتها ما ذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل : قال الحق وهو العلي الكبير ، قال : فيقول كلهم كما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمر الله تعالى». وعن ابن عباس قال : كان لكل قبيلة من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي ، وكان إذا نزل الوحي ، سمع له صوت كإمرار السلسلة على الصفوان ، فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ما ذا قال ربكم؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير ، ثم يقول : يكون في هذا العام كذا ويكون كذا ، فتسمعه الجن فيخبرون الكهنة ، والكهنة تخبر الناس ، فيجدونه كذلك ، فلما بعث الله سيدنا محمدا صلىاللهعليهوسلم ، دحروا ومنعوا بالشهب ، فقالت العرب حين لم تخبرهم الجن بذلك؟ هلك من في السماء ، فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا ، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة ، وصاحب الغنم يذبح كل يوم شاة ، حتى أسرعوا في أموالهم ، فقالت ثقيف وكانت أعقل العرب : أيها الناس أمسكوا على أموالكم ، فإنه لم يمت من في السماء ، أما ترون معالمكم من النجوم كما هي ، والشمس والقمر والليل والنهار؟ فقال إبليس : لقد حدث في الأرض اليوم حدث ، فائتوني من كل تربة أرض فأتوه بها ، فلما شم تربة مكة قال : من ههنا جاء الحدث ، فانصتوا فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بعث ، فتحصل أن الفزع على القول بأنه في الآخرة يكون من جميع الخلق ، وعلى القول بأنه في الدنيا يكون من الملائكة خاصة ، والآية محتملة للأمرين ، والعموم أولى ، لأن الكفار زعموا أن