للمؤمنين بالجنة (وَنَذِيراً) منذرا للكافرين بالعذاب (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) (٢٨) ذلك (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بالعذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٩) فيه (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠) عليه وهو يوم القيامة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي تقدمه كالتوراة والإنجيل الدالين على البعث لإنكارهم له ، قال تعالى فيهم (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذِ الظَّالِمُونَ) الكافرون (مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) الرؤساء (لَوْ لا أَنْتُمْ) صددتمونا عن الإيمان (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (٣١) بالنبي (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
____________________________________
اسم فاعل من كف بمعنى جمع ، أو مصدر كالعاقبة ، والعاقبة إما مبالغة أو على حذف مضاف ، أي ذا كافة للناس ، أو صفة لمصدر محذوف تقديره إلا ارساله كافة ، أي محيطه بهم وشاملة لهم ، فلا يخرج منها ، أحد والأوجه الثلاثة على أنه حال من الكاف وهي متقاربة ، فتحصل أن هذه الآيات دلت على أنه مرسل لجميع الإنس بشيرا ونذيرا ، وأما ارساله لغيرهم ، فمأخوذ من آيات أخر منها (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) لكن ارساله للإنس والجن ، ارسال تكليف وللملائكة : قيل ، ارسال تكليف ، وقيل تشريف ، وللحيوانات الغير العاقلة والجمادات ارسال تشريف. قوله : (لا يَعْلَمُونَ) (ذلك) أي ما ذكر من عموم رسالته ، وكونه بشيرا ونذيرا.
قوله : (وَيَقُولُونَ) أي على سبيل الاستهزاء والسخرية. قوله : (إِنْ كُنْتُمْ) الخطاب للنبي والمؤمنين. قوله : (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ) أي إن أردتم التأخر. قوله : (وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) أي إن أردتم التقدم والاستعجال كما هو مطلوبكم. إن قلت : إن الجواب ليس مطابقا للسؤال ، لأن السؤال عن طلب تعيين الوقت ، والجواب يقتضي أنهم منكرون للوقت من أصله. وأجيب : بأن الجواب مطابق بالنظر لحالهم لا لسؤالهم ، لأن سؤالهم وإن كان على صورة الاستفهام عن الوقت ، إلا أن مرادهم الإنكار والتعنت ، والجواب المطابق أن يكون بالتهديد على تعنتهم.
قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ) إلخ ، سبب ذلك أن أهل الكتاب قالوا لهم : إن صفة محمد في كتبنا ، فلما سألوهم ووافق ما قال أهل الكتاب ، قال المشركون : لن نؤمن بهذا القرآن ، ولا بالذي بين يديه. قوله : (الدالين على البعث) أي وعلى صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم يكفرون بها أيضا. قوله : (قال تعالى فيهم) أي في بيان أحوالهم في الآخرة.
قوله : (وَلَوْ تَرى) مفعول (تَرى) وجواب (لَوْ) محذوف ، والتقدير : ولو ترى حال الظالمين وقت وقوفهم عند ربهم ، حال كونهم يرجع بعضهم إلى بعض القول لرأيت أمرا فظيعا. قوله : (إِذِ الظَّالِمُونَ إِذِ) ظرف لترى بمعنى وقت. قوله : (مَوْقُوفُونَ) أي محبوسون في الموقف للحساب. قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) العندية للمكانة والعظمة لا المكان. قوله : (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ) حال من ضمير (مَوْقُوفُونَ) والقول منصوب بيرجع. قوله : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) تفسير لقوله : (يَرْجِعُ) فالجملة لا محل لها من الإعراب. قوله : (لَوْ لا أَنْتُمْ) ما بعد (لَوْ لا) مبتدأ خبره محذوف ، قدره المفسر بقوله : (صددتمونا) إلخ ، وقوله : (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) جواب (لَوْ لا). قوله : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي جوابا