تمخر الماء أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة (لِتَبْتَغُوا) تطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) تعالى بالتجارة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٢) الله على ذلك (يُولِجُ) يدخل الله (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) فيزيد (وَيُولِجُ النَّهارَ) يدخله (فِي اللَّيْلِ) فيزيد (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌ) منهما (يَجْرِي) في فلكه (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) يوم القيامة (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِهِ) أي غيره وهم الأصنام (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (١٣) لفافة النواة (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا) فرضا (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) ما أجابوكم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) بإشراككم إياهم مع الله ، أي يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياهم (وَلا يُنَبِّئُكَ) بأحوال الدارين (مِثْلُ خَبِيرٍ) (١٤) عالم وهو الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) بكل حال (وَاللهُ هُوَ
____________________________________
قوله : (لِتَبْتَغُوا) متعلق بمواخر. قوله : (بالتجارة) أي وغيرها كالغزو والحج. قوله : (على ذلك) أي على ما أسداه إليك من تلك النعم. قوله : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) أي فيطول النهار ، حتى يصير من طلوع الشمس لغروبها ، أربع عشرة ساعة كأيام الصيف ، وقوله : (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي فيطول الليل ، حتى يكون من الغروب للطلوع أربع عشرة ساعة كأيام الشتاء ، فالدائر بين الليل والنهار أربع ساعات ، تارة تكون في الليل وتارة تكون في النهار.
قوله : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) معطوف على (يُولِجُ) وعبر بالمضارع في جانب الليل والنهار ، لأن إيلاج أحدها في الآخر يتجدد كل عام ، وأما الشمس والقمر ، فتسخيرهما من يوم خلقهما الله ، فلا تجدد فيه ، وإنما التجدد في آثارهما ، فلذا عبر في جانبهما بالماضي. قوله : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) إلخ ، هذا من جملة الأدلة على انفراده تعالى بالألوهية. قوله : (لفافة النواة) بكسر اللام ، وهي القشرة الرقيقة الملتفة على النواة. واعلم أن النواة أربعة أشياء ، ويضرب بها المثل في القلة : الفتيل : وهو ما في شق النواة ، والقطمير : وهو اللفافة ، والنقير : وهو ما في ظهرها ، والثفروق : وهو ما بين القمع والنواة. قوله : (ما أجابوكم) أي بجلب نفع ، ولا دفع ضر. قوله : (بإشراككم إياهم) أشار بذلك إلى أن المصدر مضاف للفاعل قوله : (أي يتبرؤون منكم) أي بقولهم : (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ). قوله : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) أي لا يخبرك أحد مثلي ، لأني عالم بالأشياء وغيري لا يعلمها ، وهذا الخطاب يحتمل أن يكون عاما غير مختص بأحد ، ويحتمل أن يكون خطابا له صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) إنما خاطب الناس بذلك ، وإن كان كل ما سوى الله فقيرا ، لأن الناس هم الذين يدعون الغنى وينسبونه لأنفسهم. والمعنى : يا أيها الناس ، أنتم أشد الخلق افتقارا واحتياجا إلى الله ، في أنفسكم وعيالكم وأموالكم ، وفيما يعرض لكم من سائر الأمور ، فلا غنى لكم عنه طرفة عين ، ولا أقل من ذلك ، ومن هنا قول الصديق رضي الله عنه : من عرف نفسه عرف ربه ، أي من عرف نفسه ، بالفقر والذل والعجز والمسكنة ، عرف ربه بالغنى والعز والقدرة والكمال. قوله : (بكل حال) أي في حالة الفقر والغنى والضعف والقوة والذل والعز ، فالعبد مفتقر لربه في أي حاله كان بها