الْغَنِيُ) عن خلقه (الْحَمِيدُ) (١٥) المحمود في صنعه بهم (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٦) بدلكم (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (١٧) شديد (وَلا تَزِرُ) نفس (وازِرَةٌ) آثمة أي لا تحمل (وِزْرَ) نفس (أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ) نفس (مُثْقَلَةٌ) بالوزر (إِلى حِمْلِها) منه أحد ليحمل بعضه (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ) المدعو (ذا قُرْبى) قرابة كالأب والابن وعدم الحمل في الشقين حكم من الله تعالى (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي يخافونه وما رأوه لأنهم
____________________________________
ذلك العبد. قوله : (الْحَمِيدُ) إنما ذكره بعد الغنى ، لدفع توهم أن غناه تعالى تارة ينفع وتارة لا ، فأفاد أنه كما أنه غني ، وهو منعم جواد محمود على إنعامه ، لكونه يعطي النوال قبل السؤال ، للبر والفاجر.
قوله : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) هذا بيان لغناه المطلق ، يعني أن إذهابكم ليس متوقفا على شيء ، إلا على مشيئته ، فإبقاؤكم من محض فضله. قوله : (بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أي بعالم آخر غير ما تعرفونه. قوله : (شديد) أي متعذر ومتعسر. قوله : (وازِرَةٌ) فاعل (تَزِرُ) وهو صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله : (نفس) والمعنى لا تحمل نفس وازرة وزر نفس أخرى ، وأما غير الوازرة ، فتحصل وزر الوازرة ، بمعنى تشفع لها في غفرانه ، لا بمعنى أنه ينتقل من الوازرة لغيرها. إن قلت : ما الجمع بين هذه الآية ، وبين قوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) الآية؟ أجيب : بأن تلك الآية محمولة على من ضل ، وتسبب في الضلال لغيره ، فعليه وزر ضلاله ، ووزر تسببه ، لأن تسببه من فعله ، فلم يحمل إلا أثقال نفسه ، فرجع الأمر إلى أن الإنسان لا يحمل وزر غيره أصلا ، بل كل نفس بما كسبت رهينة.
قوله : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها) أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفسا إلى حملها ، وهو بالكسر ما يحمل على ظهر أو رأس ، وبالفتح ما كان في البطن أو على رأس شجرة. قوله : (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) العامة على قراءة يحمل مبنيا للمفعول ، و (شَيْءٌ) نائب الفاعل ، وقرىء شذوذا تحمل ، بفتح التاء وكسر الميم ، مسندا إلى ضمير النفس المحذوفة ، وشيئا مفعول تحمل. قوله : (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) العامة على قراءة (ذا) بالنصب خبر (كانَ) واسمها ضمير يعود على (المدعو) كما قدره المفسر ، وقرىء شذوذا بالرفع على أن (كانَ) تامة ، والمعنى وإن تدع نفس مذنبة نفسا أخرى ، إلى حمل شيء من ذنبها ، لا يحمل منه شيء ، ولو كانت تلك النفس الأخرى قريبة للداعية ، كابنها أو أبيها ، لما ورد : يلقى الأب والأم الابن فيقولان له : يا بني احمل عنا بعض ، فيقول : لا أستطيع حسبي ما علي. قوله : (وفي الشقين) أي الحمل القهري والاختياري. قوله : (حكم من الله تعالى) أي وهو لا يخلو عن حكمة عظيمة.
قوله : (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ إِنَّما) أداة حصر ، والمعنى إن إنذارك مقصور على الذين يخشون ربهم ، وقوله : (بِالْغَيْبِ) حال من فاعل قوله : (يَخْشَوْنَ) أي يخشونه ، حال كونهم غائبين عنه ، فالغيبة وصف العبيد لا وصف الرب ، فإن وصف الرب القرب ، قال تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ووصف العبيد الغيبة والحجاب ، فالعبيد محجوبون عن ربهم بصفات جلاله ، ويصح أن يكون حالا من المفعول ، أي يخشونه ، والحال أنه غائب عنهم ، أي محتجب بجلاله فلا يرونه ، وإلى هذا أشار المفسر بقوله : (وما رأوه) فعدم رؤية الله تعالى ، إنما هو من تحجبه بصفات الجلال ، فإذا