الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) المعجزات (وَبِالزُّبُرِ) كصحف إبراهيم (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (٢٥) هو التوراة والإنجيل ، فاصبر كما صبروا (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتكذيبهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٢٦) إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك ، أي هو واقع موقعه (أَلَمْ تَرَ) تعلم (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا) فيه التفات عن الغيبة (بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) كأخضر وأحمر وأصفر وغيرها (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) جمع جدة طريق في الجبل وغيره (بِيضٌ وَحُمْرٌ) وصفر (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) بالشدّة والضعف (وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٢٧) عطف على جدد ، أي صخور شديدة السواد ، يقال كثيرا : أسود غربيب ، وقليلا ، غربيب أسود (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) كاختلاف الثمار والجبال (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) بخلاف الجهال ككفار مكة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) في ملكه (غَفُورٌ) (٢٨) لذنوب عباده المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ) يقرؤون
____________________________________
(نَبْعَثَ رَسُولاً). قوله : (وَبِالزُّبُرِ) اسم لكل ما يكتب. قوله : (كصحف إبراهيم) أي وهي ثلاثون ، وكصحف موسى قبل التوراة وهي عشرة ، وكصحف شيث وهي ستون ، فجملة الصحف مائة ، تضم لها الكتب الأربعة ، فجملة الكتب السماوية مائة وأربعة. قوله : (فاصبروا كما صبروا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف. قوله : (أي هو واقع موقعه) أشار بذلك إلى أن الاستفهام تقريري.
قوله : (أَلَمْ تَرَ) خطاب لكل من تتأتى منه الرؤية ، وهو كلام مستأنف ، سيق لبيان باهر قدرته تعالى وكمال حكمته. قوله : (فيه التفات) أي وحكمته أن المنة في الإخراج ، أبلغ من إنزال الماء ، ولما في الإخراج من الصنع البديع الدال على كمال القدرة الإلهية. قوله : (ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) أي في أصل اللون ، كالأخضر والأصفر والأحمر ، وفي شدة اللون الواحد وضعفه. قوله : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) قرأ العام بضم الجيم وفتح الدال ، جمع جدة وهي الطريق ، وقرىء شذوذا بضم الجيم والدال جمع جديدة ، وبفتحهما. قوله : (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) مختلف صفة لجدود ، و (أَلْوانُها) فاعل به ، و (مُخْتَلِفٌ) خبر مقدم ، و (أَلْوانُها) مبتدأ مؤخر ، والجملة صفة لجدد. قوله : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) الغربيب تأكيد للأسود ، كالقاني تأكيد للأحمر ، وإنما قدمه عليه للمبالغة. قوله : (يقال كثيرا) أي بتقديم الموصوف على الصفة ، وهذا هو الأصل ، وقوله : (وقليلا) أي بتقديم الصفة على الموصوف ، وهذا خلاف الأصل ، ويرتكب للمبالغة.
قوله : (وَمِنَ النَّاسِ) خبر مقدم ، وقوله : (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) صفة لموصوف محذوف هو المبتدأ ، أي صنف مختلف ألوانه من الناس ، وقوله : (كَذلِكَ) صفة لمصدر محذوف ، أي اختلافا كذلك. قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أي أن خشية الله ، شرطها العلم والمعرفة به ، فمن اشتدت معرفته لربه ، كان أخشاهم له ، ولذا ورد في الحديث : «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له». وقرىء شذوذا برفع الجلالة ونصب العلماء ، والمعنى إنما يعظم الله من العباد العلماء ، وإنما كان كذلك ، لكونهم أعرف الناس بربهم وأتقاهم له ، فالواجب على الناس تعظيمهم واحترامهم ، اقتداء بالله تعالى ، فإن الله أخبر أنه يعظمهم ويجلهم. قوله : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) تعليل لوجوب الخشية كأن قيل : يجب على كل انسان ، أن يخشى الله تعالى ، لأنه عزيز قاهر لما سواه ، غفور للمذنبين.