فقد يكون تعظيم شخص بأن يسلّم عليه وقد يكون بتقبيل يده وقد يكون بالحضور في مجلسه وقد يكون بمجرّد إذنه بأن يحضر من مجلسك أو يجلس عندك إلى غير ذلك من الاختلافات الناشئة من خصوصيّات المعظّم بالكسر والمعظّم بالفتح ولمّا كان المكلّف لا طريق له إلى استكشاف أنّ المناسب بمقام هذا المولى تبارك وتعالى ما هو إلّا بإعلامه تعالى لا بدّ أن يعلمه أوّلا ما يتحقّق به تعظيمه ثمّ يأمر به وليس هذا المعنى ممّا يتوقّف تحقّقه على قصد الأمر حتّى يلزم محذور الدور. (١)
وتبعه في الوقاية وقال بعد مقدّمات : وبعد هذا نقول : إنّ العبادات أفعال قصديّة وهي ما يقصد بها الخضوع لله تعالى كما يدلّ عليه لفظ العبادة ، إذ العبادة لغة هي غاية الخضوع وأداء الشكر لله تعالى ومدحه بما هو أهل له وكان سيّد أساتيدنا (طاب ثراه) يعبّر عنها ب «ستايش كردن» وهي عبارة فارسيّة ذكرناها توضيحا للمقصود وتأسّيا به طاب ثراه.
وهذه العبادات منها : ما هو من قبيل الأوّل كالسجود.
ومنها : ما يتوقّف العلم بكونه تعظيما وعبادة على تعريف الشارع كالصوم ويشترك القسمان في المعنى المتقدّم ولا معنى لتعبّديّتهما إلّا ما عرفت من حصول العبادة بها ولا معنى للعبادة إلّا ما عرّفناك من الخضوع ونحوه من المعاني القريبة منه ولا فرق بينها وبين التوصّليّات إلّا أنّ المقصود بها العبادة ومن التوصّليّات أغراض أخر.
وإذا اتّضح هذا لديك ـ ولا أخاله يخفى بعد هذا البيان عليك ـ عرفت أنّ العبادة لا تتوقّف معناها على وجود الأمر أصلا فضلا عن توقّفها على قصده بل تتحقّق مع النهي عنها كالسجود للأصنام إذ ليس المحرّم مجرّد الانحناء لها قطعا بل المحرّم الانحناء بقصد التعظيم والخضوع ومتى وقع الفعل بهذا القصد كان محرّما لكونه
__________________
(١) الدرر / ٩٦.