وجه لدعوى حدوث إفادة الفوريّة بالوضع فضلا عن الوضع الثانويّ بعد عدم كون الوجوب والفوريّة داخلين في الهيئة ولا في المادّة لما عرفت من أنّ الوجوب والفوريّة من مقتضيات البعث عند العقلاء من أوّل الأمر كالبعث الخارجيّ. وعليه فلا يكون الفوريّة مستعملا فيها حتّى يدعى ظهور الأمر بهيئته أو بمادّته فيها بسبب كثرة الاستعمال فيها الناشئة من اقتران أوامر الموالي غالبا بالحاجة الفعليّة.
ربما يستدلّ على إفادة الفوريّة بوجوه اخرى منها : أنّ البعث المستفاد من الصيغة منزل في نظر العقلاء تشريعا بالإضافة إلى متعلّقه منزلة العلّة التكوينيّة فكما أنّ العلّة التكوينيّة لا ينفكّ عنها معلولها في أوّل أزمنة الأفعال كذلك ما هو منزل منزلتها.
أورد عليه في بدائع الأفكار بأنّا لو سلّمنا صحّة التنزيل المذكور لما كان ذلك مستلزما لتنزيل البعث منزلة العلّة التكوينيّة في جميع خصوصيّاتها وآثارها بل المسلّم إنّما هو تنزيل البعث منزلة العلّة التكوينيّة في الجملة لأنّا قد قلنا أنّ الأمر هو البعث بداعي جعل الداعي وذلك لا يستدعي أكثر من التوصّل بذلك البعث إلى وقوع المطلوب في الخارج لذا نجد العقلاء يعدّون العبد مطيعا إذا أمره بفعل لم تدلّ القرينة على الفوريّة فيه فأتى به بعد مضيّ زمان من حين صدور الأمر. (١)
وفيه وإن أفاد وأجاد في نفي عموميّة تنزيل البعث عند العقلاء بمنزلة العلل التكوينيّة فإنّه لا دليل لها ولكن لا وجه لقوله من أنّ الأمر لا يستدعي أكثر من التوصّل بذلك البعث إلى وقوع المطلوب في الخارج ولذا نجد العقلاء يعدون العبد مطيعا ... إلخ ، لما عرفت من أنّ البعث الإنشائيّ عند العقلاء بمنزلة البعث الخارجيّ فكما أنّ البعث الخارجيّ يفيد الفوريّة واستحقاق المذمّة في التأخير في الإتيان فكذلك
__________________
(١) بدائع الأفكار ١ / ٢٥١.