وقد انقدح ممّا ذكر عدم تماميّة استدلالاتهم على وجود الكلام النفسيّ في الأخبار ووجود الطلب النفسيّ في الأوامر.
تبصرة : ولا يخفى أنّ البحث عن الجبر والاختيار بحث كلاميّ لا يناسبه المقام ومع ذلك خرج أصحابنا الأصوليّون عن المباحث الاصوليّة وبحثوا عنه.
ومجمل الكلام فيه أنّ الوجدان أدلّ دليل على اختياريّة الأفعال إذ معيار الاختياريّة هو التمكّن من طرفي الفعل والترك وهو موجود في أنفسنا بالوجدان.
وهذا التمكّن من مواهب الله سبحانه تعالى وهو الذي يخرجنا عن المجبوريّة وعن التفويض والاستقلال كما اشير إليه في الأخبار بأنّه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين.
وأمّا تعريف الاختياريّ بالمسبوقيّة بالإرادة ففيه أنّه منقوض بما يصدر من العشّاق الذين لم يتمكّنوا من الخلاف فإنّهم لا يعدّون مختارين مع أنّ ما يصدر عنهم مسبوق بالإرادة فالصحيح أن يعرف الاختياريّ بما يصدر عنه مع التمكّن من الخلاف وهو صادق على أفعاله سبحانه وتعالى مع كونها مستندة إلى صفاته وأسمائه الذاتيّة الواجبة لوجود ملاك الصدق وهو التمكّن والقدرة على خلاف ما صدر عنه عزوجل.
فوجوب القدرة بالذات فيه تعالى أو وجوب التمكّن بالغير فينا لا ينافي الاختيار.
ثمّ إنّ السعادة والشقاوة ليستا ذاتيّتين بل هما مكسوبتان باختيار العبد وإرادته فما يتراءى في الأخبار من خلاف ذلك مأوّل أو مطروح لمنافاته مع اصول المذهب كما لا يخفى.