في الواجب النفسيّ ، وهذا واضح.
وأمّا الاستحقاق ، بمعنى أهليّته للمدح والثواب ، فالظاهر أنّه لا شبهة فيه إذا أتى به بقصد الامتثال والتوصّل.
والسبب في ذلك هو أنّ الملاك فيه كون العبد بصدد الإطاعة والانقياد والعمل بوظيفة العبوديّة ليصبح أهلا لذلك ، ومن المعلوم أنّه بإتيانه المقدّمة بداعي التوصّل والامتثال قد أصبح أهلا له ، بل الامر كذلك ولو لم نقل بوجوبها ، ضرورة أنّ الإتيان بها بهذا الداعي مصداق لإظهار العبوديّة والإخلاص والانقياد والإطاعة (١).
وذلك الاستحقاق هو أهليّة المدح والثواب للانقياد ، ولا يتقوّم بإتيان الواجبات النفسية ؛ فحديث انبساط ثواب ذي المقدّمة على المقدّمات أجنبيّ عنه. ولذلك قال أستاذنا المحقّق الداماد قدسسره إنّ الثواب في الموارد التي لم يأت بذي المقدّمة ليس إلّا على الانقياد ، إذ الوجدان قاض بالفرق بين من قصد الحجّ وأتى بمقدّمات السفر وسافر ولم يدرك الحجّ وبين من لم يقصده ولم يأت بمقدّماته ، بل الفرق واضح عند العقلاء ؛ ألا ترى أنّ من جاء لزيارتك ولم يتمكّن من رؤيتك استحقّ المدح والثواب دون من لم يأت ولم يقصد زيارتك.
وملاكه ليس إلّا الانقياد. ولعلّ من هذا الباب تشريع أدلّة التسامح في السنن ، لأنّ مرجعها إلى جعل الثواب لمن عمل ولم يصادف الواقع ؛ إذ المفروض أنّه ليس في الواقع شيء قابل للإطاعة حتّى يتأتّى من ناحيته الثواب ، فالثواب ليس إلّا من جهة الانقياد. وهكذا جعل الثواب على قصد الحسنات والطاعات مع عدم التمكّن من إتيانها.
وأيضا جعل الخلود لمن آمن في الدنيا وأراد أن يكون إلى الأبد مؤمنا مع أنّه لم
__________________
(١) المحاضرات : ٢ / ٢٩٦.