القربة إلّا الإجماع ، فمع ما يظهر من عبارات الأصحاب من كفاية قصد التوصّل إلى إحدى الغايات في عباديّة الطهارات ، يعلم أنّ مرادهم من عباديّة تلك الطهارات هو ذلك لا غير ، انتهى.
لا يقال إنّ اعتبار قصد التوصّل إلى إحدى الغايات في العباديّة أيضا يستلزم الدور ، إذ قصد التوصّل المذكور لا بدّ من تعلّقه بالمقدّمة المفروض أنّها عبادة ؛ فإذا كانت عباديّتها ناشئة من قصد التوصّل بها يلزم الدور لتوقّف عباديّة المقدّمة على قصد التوصّل وتوقّفه على عباديّتها.
لأنّنا نقول أوّلا : إنّ العباديّة تحصل بنفس قصد التوصّل إلى إحدى الغايات ولا ملزم لتقدّمها على قصد التوصّل بعد ما عرفت من أنّ الظاهر من عبارات الأصحاب كفاية قصد التوصّل إلى إحدى الغايات لعباديّة الطهارات الثلاث ، وعليه ، فقصد التوصّل إلى الغايات متعلّق بنفس المقدّمة لا المقدّمة المفروض أنّها عبادة حتّى يلزم الدور من جهة توقّف عباديّتها على قصد التوصّل بها.
وثانيا ـ كما في بدائع الأفكار ـ : إنّ المقدّمة في باب الطهارات الثلاث مركّبة من ذوات الأفعال الخارجيّة وقصد التقرّب بها. وعليه ، فتكون ذوات الأفعال في أنفسها مقدّمة للصلاة أيضا ، بمعنى أنّ لها الدخل في إيجاد الصلاة ، وحينئذ فيمكن أن يؤتى بها بقصد التوصّل بها إلى فعل الصلاة ، وبذلك يتحقّق القيد المأخوذ في المقدّمة وهو التقرّب. غاية الأمر أنّ حصول القيد والمقيّد المحقّقان للمقدّمة إنّما كان بنحو الطوليّة لا في عرض واحد (١).
ثمّ إنّه لا يخفى عليك أنّ المراد من عباديّة المقدّمة بقصد التوصّل إلى غاياتها ليس إلّا ما عرفت سابقا من صدق كون العبد بصدد الانقياد والإطاعة الذي يوجب
__________________
(١) بدائع الأفكار : ١ / ٣٨١.