المقدّمات ، بحيث يكون وجود سائر المقدّمات ظرفا للمقدّمة الواجبة لا قيدا.
وقد عرفت فساد الأمر الأوّل ، كما أنّ الأمر الثاني فاسد أيضا باستلزامه تقدّم وجود كلّ مقدّمة من مقدّمات الواجب على وجود نفسها لفرض أخذ وجود كلّ مقدّمة قيدا للمقدّمة الاخرى ، فيتعيّن الأمر الثالث ، وهو ما اخترناه من القضيّة الحيثيّة (١).
ولا يخفى عليك أنّه لا وجه لما ذهبا إليه بعد ما عرفت من عدم لزوم المحذورات من اعتبار الإيصال وتقييد المقدّمات به ، لأنّ المراد من الإيصال ليس هو اعتبار وجود المتأخّر في المتقدّم حتّى يلزم المحال من تجافي الموجود مرتبته ، بل المراد منه هو اعتبار بلوغ المقدّمة أو المقدّمات إلى حيث لا ينفكّ المترتّب عليه عنها من المقدّمة الاخرى أو ذي المقدّمة. ومن المعلوم أنّ المقدّمات البالغة إلى تلك الحيثيّة تكون بنفسها منشأ لانتزاع الإيصال ، ولا دخل لترتّب المقدّمة الاخرى أو ترتّب ذي المقدّمة في ذلك وإن كان ترتّب المترتّب ملازما لبلوغ المقدّمات إلى تلك الحيثيّة. وعليه فتقييد المقدّمات بالإيصال لا محذور فيه حتّى يضطرّ إلى العدول عنه. هذا مضافا إلى عدم خلوّ اعتبار حال الايصال عن المحذور أيضا.
بعد الاعتراف بأنّ الحيثيّة التعليليّة في الأحكام العقليّة ترجع إلى الحيثيّة التقيّديّة ، إذ لحاظ الإيصال ممّا له مدخليّة في وجوب المقدّمات بحكم العقل ، ودعوى أنّ الإيصال لا دخل له ، يساوق أن يكون الواجب هو مطلق المقدّمة ، وهو ممّا لا يلتزم به. وعلى فرض مدخليّة لحاظ الإيصال فالمقدّمة متّصفة ومتقيّدة بلحاظ الإيصال ولا تكون مطلقة ، كما لا يخفى.
ولذلك أورد عليهما سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره بأنّ حال عدم انفكاك المقدّمات عن المطلوب إن لم تكن دخيلة في وجوب المقدّمة يكن تعلّق الوجوب بها في هذه الحالة
__________________
(١) بدائع الأفكار : ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٢.