لا يقال : إنّ الإرادة لا تتعلّق بالشيء في المستحبّات على كلّ تقدير لجواز عدم إرادتها ، ومعه كيف تلازم الإرادة لذي المقدّمة لإرادة مقدّماته.
لأنّا نقول : الملازمة حاصلة بالوجدان بينما إرادة الشيء وإرادة مقدّماته ، فإذا لم يرد المستحبّ فلا إرادة حينئذ لمقدّماته ، كما لا يخفى.
مقدّمة الحرام والمكروه
ولا يخفى عليك أنّ المقدّمة إن كانت من المقدّمات التوليديّة سواء كانت أمرا بسيطا أو مركّبا من أجزاء متلازمة في الوجود أو جزءا أخيرا من العلّة المركّبة من أجزاء غير متلازمة في الوجود فلا إشكال في كونها محكومة بحكم ذيها بناء على الملازمة ؛ فإن كان ذوها محرّما فهي حرام شرعا ، وإن كان مكروها فهي مكروهة شرعا.
بل في غير التوليديّات أيضا ينتهي الأمر إلى التوليديّ ويكون محكوما بحكم ذي المقدّمة ، كما أفاد سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره حيث قال : إنّ النفس لمّا كانت فاعلة بالآلة في العالم الطبيعيّ لا يمكن أن تكون إرادتها بالنسبة إلى الأفعال الخارجيّة الماديّة جزءا أخيرا للعلّة بحيث لا يتوسّط بينها وبين الفعل الخارجيّ شيء حتّى من آلاتها وتكون النفس خلّاقة بالإرادة ، بل هي مؤثّرة في الآلات والعضلات بالقبض والبسط حتّى تحصل الحركات العضويّة وترتبط بواسطتها بالخارج وتتحقّق الأفعال الخارجيّة.
مثلا إذا أمر المولى بشرب الماء ، فالشرب عبارة عن بلع الماء وإدخاله في الباطن بتوسّط الحلقوم ، ولم يحصل هذا العنوان بمجرّد الإرادة ، بل تتوسّط بينه وبينها حركات العضلات المربوطة بهذا العمل ، وهي أمور اختياريّة للنفس وتوليديّة للشرب.
فالمتوسّط بينها وبين الشرب والضرب والمشي والقيام وهكذا تحريكات اختياريّة وأفعال إراديّة قابلة لتعلّق التكليف بها.
فالمشي مثلا لا يتحقّق بنفس الإرادة بحيث تكون هي مبدأ خلّاقا له بلا توسّط الآلات