ومنها : ما ذكره السيد الاستاذ (١) من أن التنافى بين الحرمة والوجوب مثلا ، ليس بين اعتباريهما ، بل بين مبادئهما من ناحية ، لان الشىء الواحد لا يمكن أن يكون مبغوضا ومحبوبا ، وبين متطلباتها فى مقام الامتثال من ناحية أخرى ، لأن كلا منهما يستدعى تصرفا مخالفا لما يستدعيه الاخر. فاذا كانت الحرمة واقعية والوجوب ظاهريا ، فلا تنافى بينهما فى المبادىء ، لأننا نفترض مبادى الحكم الظاهرى فى نفس جعله ، لا فى المتعلق المشترك بينه وبين الحكم الواقعى. ولا تنافى بينهما فى متطلبات مقام الامتثال ، لان الحرمة الواقعية غير واصلة ، كما يقتضيه جعل الحكم الظاهرى فى موردها ، فلا امتثال لها ولا متطلبات عملية ، لأن استحقاق الحكم للامتثال فرع الوصول والتنجز.
ولكن نتساءل هل يمكن ان يجعل المولى وجوبا أو حرمة لملاك فى نفس الوجوب أو الحرمة؟ ولو اتفق حقا ان المولى أحسن بأن من مصلحته ان يجعل الوجوب على فعل بدون أن يكون مهتما بوجوده اطلاقا ، وانما دفعه الى ذلك وجود المصلحة فى نفس الجعل ، كما اذا كان ينتظر مكافأة على نفس ذلك من شخص ، ولا يهمه بعد ذلك أن يقع الفعل أو لا يقع ، أقول : لو اتفق ذلك حقا ، فلا أثر لمثل هذاالجعل ، ولا يحكم العقل بوجوب امتثاله. فافتراض ان الأحكام الظاهرية ناشئة من مبادىء فى نفس الجعل ، يعنى تفريغها من حقيقة الحكم ومن أثر عقلا.
فالجواب المذكور فى افتراضه المصلحة فى نفس الجعل غير تام ،
ـــــــــــــــ
(١) مصباح الأصول ج ٢ ص ١٠٨.