من الحكم العقلى وحكم الشارع.
لا شك فى ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد ، وان الملاك متى ما تم بكل خصوصياته وشرائطه وتجرد عن الموانع عن التأثير ، كان بحكم العلة التامة الداعية للمولى إلى جعل الحكم على طبقه ، وفقا لحكمته تعالى. وعلى هذا الأساس فمن الممكن نظريا ان نفترض إدراك العقل النظرى لذلك الملاك بكل خصوصياته وشؤونه ، وفى مثل ذلك يستكشف الحكم الشرعى لا محالة استكشافا لميا ، أى بالانتقال من العلة الى المعلول.
ولكن هذا الافتراض صعب التحقق من الناحية الواقعية فى كثير من الاحيان ، لضيق دائرة العقل ، وشعور الانسان بأنه محدود الاطلاع ، الأمر الذى يجعله يحتمل غالبا أن يكون قد فاته الاطلاع على بعض نكات الموقف ، فقد يدرك المصلحة فى فعل ، ولكنه لا يجزم عادة بدرجتها وبمدى أهميتها وبعدم وجود أى مزاحم لها ، وما لم يجزم بكل ذلك لا يتم الاستكشاف.
عرفنا ان مرجع الحكم العملى الى الحسن والقبح ، وانهما أمران واقعيان يدركهما العقل. وقبل الدخول فى الحديث عن الملازمة ينبغى أن نقول كلمة عن واقعية هذين الأمرين : فان جملة من الباحثين فسر الحسن والقبح بوصفهما حكمين عقلائيين ، أى مجعولين من قبل العقلاء