ثم ان المراد بالاءخصية التى هى ملاك القرينية ، الأخصية عند المقارنة بين مفادى الدليلين فى مرحلة الدلاة والافادة ، لا الأخصية عند المقارنة بين مفاديهما فى مرحلة الحجية. وتوضيح ذلك انه اذا ورد عامان متعارضان من قبيل : يجب اكرام الفقراء ، ولا يجب اكرام الفقراء ، وورد مخصص على العام الأول يقول : لا يجب إكرام الفقير الفاسق ، فهذا المخصص تارة نفرضة متصلا بالعام واخرى نفرض انفصاله :
ففى الحالة الاولى يصبح سببا فى هدم ظهور العام فى العموم وحصر ظهوره التصديقيى فى غير الفساق ، وبهذا يصبح أخص مطلقا من العام الثانى ، وفى مثل ذلك لا شك فى التخصيص به.
وأما فى الحالة الثانية فظهور العام الأول فى العموم منعقد ولكن الخاص قرينة موجية لسقوطه من الحجية بقدر يا يقتضية ، وحينئذ فان نظرنا الى هذا العام والعام الاخر المعارض له من زاوية المدلولين اللفظيين لهما فى مرحلة الدلالة فهما متساويان ليس أحدهما أخص من الاخر. وان نظرنا الى العامين من زاوية مدلوليهما فى مرحلة الحجية وجدنا ان العام الأول أخص من العام الثانى ، لانه بما هو حجة لم يعد يشمل كل أقسام الفقراء ، فبينما كان مساويا للعام الاخر انقلب الى الاخصية.
وقد ذهب المحقق النائينى (١) الى الأخذ بالنظرة الثانية وسمى ذلك بانقلاب النسبة ، بينما أخذ صاحب الكفاية (٢) بالنظرة الاولى.
واستدل الأول على انقلاب النسبة بانا حينما نعارض العام الثانى
ــــــــــــــــ
(١) فوائد الاصول : ج ٤ ص ٧٤٦.
(٢) كفاية الاصول : ج ٢ ص ٤٠٦.