شيء آخر جديد ، فلا مجال معه للتمسك بالإطلاق أو الاستصحاب. فالاستحالة في المتنجسات كالاستحالة في الأعيان النجسة موجبة لانعدام الموضوع السابق وإيجاد موضوع جديد.
ويؤيد ذلك ما جرت عليه سيرة المتدينين من عدم اجتنابهم عن الحيوانات الطاهرة إذا أكلت أو شربت شيئاً متنجِّساً ، فالدجاجة التي أكلت طعاماً قذراً لا يجتنب عن بيضها كما لا يجتنبون عن روث الحيوان المحلّل أو بوله أو خرئه أو لحمه إذا أكل أو شرب شيئاً متنجِّساً ، وليس هذا إلاّ من جهة طهارة المتنجِّس بالاستحالة ، هذا.
وقد يستدل على طهارة المتنجسات بالاستحالة بصحيحة حسن بن محبوب قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليَّ بخطه : إن الماء والنار قد طهّراه » (١) لأنها تدل على أن مادة الجص وإن كانت تنجست بالعذرة والعظام النجستين للإيقاد بهما عليها ولا سيما مع ما في العظام من الأجزاء الدهنية ، إلاّ أن استحالتها بالنار وصيرورتها جصاً موجبة لطهارتها.
ويمكن المناقشة في هذا الاستدلال بوجوه : الأوّل : أن الرواية إنما تدل على طهارة العذرة والعظام النجستين بالاستحالة ، وليست فيها أية دلالة على كفاية الاستحالة في تطهير المتنجسات ، فان المطهر للجص هو الماء على ما قدّمنا (٢) تفسيرها في التكلم على اعتبار الطهارة في موضع السجود ، وما ذكرناه في تفسير الرواية هناك إن تمّ فهو وإلاّ فالرواية مجملة. وما قيل من أن النار مطهرة بإزالة العين وإعدامها والماء أي المطر مطهر باصابته ، كغيره مما ذكروه في تفسيرها تأويلات لا ظهور للرواية في شيء منها.
الثاني : أن صريح الرواية إسناد الطهارة إلى كل من الماء والنار ، بأن يكون لكل
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٥٢٧ / أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١ ، ٥ : ٣٥٨ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.
(٢) في شرح العروة ٣ : ٢٤٣.