اختيار الفعل لأجله ، فهو قبيح لا محال.
فمراده قدسسره من أنّ الأوّل محال لا قبيح ، والثّاني قبيح لا محال : إنّما هو فيما إذا فرض عدم المرجّح للأوّل أصلا ورأسا وفرض عدم المرجّح العقلائي مع فرض وجود المرجّح في الجملة للثّاني ، وهو أمر واضح لمن له أدنى تأمّل في كلامه قدسسره (١) فالاعتراض عليه كما عن بعض أهل العصر ناش عن القصور.
__________________
(١) أقول : وللمحقق الإصفهاني كلام شريف في نهايته لا بأس بذكره في المقام : قال :
تحقيق المقام : إن الترجيح موضوعه الفعل الإرادي ، وثبوت الإرادة فيه مفروغ عنه ، وإلاّ لكان ترجّحا بلا مرجّح وهو مساوق للمعلول بلا علة ، وامتناعه بديهي لا يختلف فيه أحد ، ففي الموضوع الإرادي قالوا بقبحه تارة وبإمتناعه أخرى.
بيانه : إن الأشاعرة بنوا على خلوّ أفعال الله تعالى التكوينيّة والتشريعيّة عن الغايات الذاتيّة والعرضيّة وعن الحكم والمصالح الواقعيّة ؛ نظرا إلى جواز الترجيح بلا مرجّح ؛ لإمكان الإرادة الجزافيّة ؛ تمسّكا منهم بأمثلة جزئيّة مذكورة في الكتب الكلاميّة ، بل الأصوليّة ، ونفيا منهم للحسن والقبح بالكليّة.
فالفعل الإرادي الخالي عن الغرض معلول للإرادة المستندة إلى المريد ، فلا يلزم المعلول بلا علة وحيث لا حسن ولا قبح ، فلا يتّصف مثل هذا الفعل ـ الخالي عن الغاية والغرض بالذات وبالعرض ـ بكونه قبيحا.
وأجاب الحكماء ـ بعد إثبات الحسن والقبح عقلا في كلية أفعال الله تعالى والعباد ـ : بأن الفعل الخالي عن الغاية والغرض قبيح من كل عاقل ، وبأن تجويز الإرادة الجزافيّة يؤول إلى تجويز الترجح بلا مرجّح ؛ لأن الإرادة من الممكنات فتعلّقها بأحد الأمرين دون تعلّق إرادة أخرى بالآخر إمّا بإرادة أخرى ، فيدور أو يتسلسل وإمّا بلا إرادة وبلا جهة موجبة لتعلقها بهذا دون ذاك ، كان معناه حدوث الإرادة بلا سبب وهو عين الترجّح بلا مرجّح وخروج الممكن