ثمّ إنّ شرح القول فيما يتعلّق بالمقام وإن كان موكولا إلى الفنّ الأعلى وهو « فنّ التكلّم » مع أنّه لا يحسن ممّن هو مثلي في عدم الإحاطة بالفنّ المذكور ، إلاّ أنّه لا بأس بصرف الكلام إليه وذكر بعض ما يوجب البصيرة لمن كان عاريا عن الفنّ فنقول :
اختلف المتكلّمون بعد اتّفاقهم على استحالة التّرجيح بلا مرجّح بالمعنى الّذي عرفته من ترجيح أحد المتساويين من طرفي الممكن على الآخر بلا سبب من الخارج ، فيلزم أن يوجد بلا سبب أو يعدم كذلك ـ الّذي قضت ضرورة العقول على استحالته في الممكنات ـ وإلاّ خرجت عن الإمكان إلى الوجوب ، أو
__________________
عن إمكانه بلا موجب.
فبالإضافة إلى نفس الفعل وإن كان ترجيحا بلا مرجّح ، إلاّ أنّه بالإضافة إلى إرادته ترجّح بلا مرجّح.
فعلم ممّا ذكرنا : أن محل النّزاع هو الفعل الإرادي الخالي عن مطلق الغاية والغرض ، لا الخالي عن الغرض العقلائي ؛ فإنه لم يقع نزاع في إمكانه.
كما علم أن القبح بأي نظر ، وأن الإمتناع بأي لحاظ ؛ فإنه قبيح بالنظر إلى خلوّه عن الحكمة والمصلحة وممتنع بالنظر إلى حدوث الإرادة بلا موجب ، غاية الأمر إن الموجب في إرادته تعالى منحصر في الحكمة والمصلحة ، لا مطلق الغرض.
كما علم انه لا فرق بين التكوين والتشريع في شيء من الإمتناع والقبح ، وإن كان ظاهر شيخنا العلاّمة الأنصاري قدسسره إختصاص الإمتناع بمورد التكوين ، والقبح بمورد التشريع ، مع ان كل تكوين وتشريع بلا غاية قبيح وكل إرادة بلا سبب محال ، ولك إرجاع كلامه إلى ما ذكرناه كما عن بعض أجلّة تلامذته قدسسرهما. [ يريد به المحقق الآشتياني في هذا البحث ]. أنظر نهاية الدراية : ج ٦ / ٣٢٦.