وقد يتمسّك في المقام بما ذكره الشيخ عبد القاهر واختاره الزمخشري على ما نسب إليهما (١) في مثل قولك : « الأسد زيد » ، من أنّ المراد اتّحاد الجنس مع الفرد مبالغة في كماله في الفرديّة ، يعني : هل سمعت بالأسد وتعرف حقيقته؟ فزيد هو بعينه ، وهو الحصر بل أعلى منه ، لأنّ قضيّة الحصر ليس إلاّ انحصار المسند إليه في المسند ، وهذا يفيد التساوي وعدم تجاوز المسند منه أيضا.
فإن أرادوا التمسّك بقولهم من حيث إنّهم من أئمّة اللغة فله وجه على تقدير الاكتفاء بأمثاله في مثل المقام ، وإلاّ فإن اريد استفادة المعنى المذكور من قولك : « الأسد زيد » بمقايسة العبارة المذكورة فهو ممّا لا سبيل لنا إليه ، إذ الكلام إنّما هو في وجه ذلك بحسب قواعد اللغة وظهور قولك : « هل سمعت بالأسد وتعرف حقيقته » في التساوي. والحمل الذاتي لا يقضي بالظهور في محلّ النزاع.
ثمّ اعلم أنّ المقصود في المقام إنّما هو بيان أنّ تعريف المسند إليه يفيد الحصر ، حتّى إذا وردت رواية مشتملة على ذلك يحكم بعدم تجاوز المسند إليه عن المسند ، كما في قولك : « الأئمّة من قريش » وهذا كما ترى إنّما يفيد فيما إذا لم يعلم أخصيّة المسند إليه من المسند ، وأمّا إذا علم فليس ذلك من الحصر الحقيقي قطعا ، بل الحصر فيه ادّعائي. وأغلب ما يذكر في المقام من كلمات البيانيّين إنّما يلائم الحصر الادّعائيّ ، كما لعلّه ظاهر. والمقصود الأوّل ، لكنّه نجده من العرف إجمالا ولم نحصّله تفصيلا.
احتجّ الخصم : بأنّه لو أفاد الحصر كان تعريف المسند أيضا مفيدا له ، والتالي باطل. أمّا الملازمة : فلاتّحاد الوجه فيهما ، ولأنّه لو لم يفد لزم استناده إلى الهيئة لاتّحاد المادّة وهو غير معهود ، إذ لم يعهد تأثير الهيئة في اختلاف معنى المادّة بحسب اللغة.
__________________
(١) نسبه اليهما المحقّق الكلباسي في الإشارات ١ : ٢٥١.