واحد منهم بالآخر ـ وبين ما لم يكن كذلك ، بل كان الاشتباه لأجل حصول عنوان المخصّص في المشكوك. فعلى الأوّل : نقول بعدم تحكيم العامّ ، لما مرّ من أنّ الحكم بدخوله في أحد العنوانين خاصّة ترجيح بلا مرجّح. وعلى الثاني : نقول بتحكيم العامّ في مورد الاشتباه ، نظرا إلى وجوب الأخذ بالعامّ مهما أمكن ، فما لم يعلم خروج فرد من العامّ يجب الأخذ به ، لعدم وصول المعارض إلينا من جانب المولى كما جرى عليه ديدن العقلاء في مقام امتثال الأوامر المتعلّقة بهم ، كما هو ظاهر.
أقول : لا إشكال على الأوّل كما هو المفروض. وأمّا على الثاني ، فما ذكر في وجه التحكيم فإنّما يناسب فيما لو كان المراد من المخصّص مجملا. وأمّا إذا كان عنوان المخصّص معلوم المراد فلا وجه للفرق بين الموردين بوجه ، لاتّحاد ما هو المناط بينهما. ودعوى جريان ديدن العقلاء على تحكيم العامّ في مثل ما نحن فيه ممنوعة جدّا ، ألا ترى أنّهم يتوقّفون في مائع لم يعلم كونه خلاّ أو خمرا ولا يستندون فيه إلى عموم التحليل والتحريم؟ والوجه في ذلك هو ما نبّهنا عليه : من أنّ الشكّ في المقام ممّا لا يزول بالأخذ بالعموم ، فإنّ الاصول اللفظيّة تارة يقصد بها إثبات الوضع والمفروض في المقام عدم الشكّ فيه في أحد من العنوانين ، وتارة يقصد بها إثبات المراد من اللفظ وهو أيضا معلوم فيهما.
وتوضيح المقام : أنّ ملخّص ما يمكن أن يقال في الفرق بين الصورتين : هو أنّ الشك في دخول زيد في عنوان الخاصّ على الأوّل لا يستلزم الشكّ في تخصيص العامّ زيادة على ما علم تخصيصه ، لأنّ دخول زيد تحته يوجب خروج فرد آخر منه ، لانحصار أفراده في عشرة مثلا. بخلاف الشكّ فيه على الثاني ، فإنّه يشكّ في أنّ زيدا هل خصّص من العامّ أو لا؟ بعد العلم بتخصيصه بالنسبة إلى عمرو وأصالة عدم التخصيص في الأقلّ معارضة بمثلها كما في الشبهة المحصورة. وعلى الثاني فلا معارض لها ، لكونه من قبيل الشبهة البدويّة.