وثانيا (١) : سلّمنا كون العامّ مقتضيا والمخصّص مانعا ، إلاّ أنّه لا بدّ من إحراز عدم المانع بدليل ، ومجرّد الشكّ في وجود المانع مع قطع النظر عن الحالة السابقة لا يقتضي الحكم بالعدم ، وأمّا الحالة السابقة فليست معلومة في المقام حتّى يؤخذ بها.
وتوضيح ذلك : أنّ عدم الفسق المفروض وجوده مانعا قد يكون معلوما قبل زمان الشكّ كما إذا كان زيد المشكوك دخوله في العنوانين معلوم العدالة في السابق ، وقد لا يكون كما إذا كان الشكّ في فسقه ابتداء.
فعلى الأوّل : لا حاجة إلى تجشّم إثبات كون العام مقتضيا والمخصّص مانعا ، لكفاية الأصل الموضوعي عن ذلك. وعلى الثاني : لا يجدي إثبات كونه مانعا أيضا ، لعدم ما يقضي بعدمه في الواقع من الدليل أو في الظاهر من الأصل.
لا يقال : إنّ المانع إذا كان مشكوكا فالأصل فيه العدم ، سواء كان مسبوقا بالحالة السابقة أو لم يكن. ويكفي في ذلك احتجاج المحقّق في الاستصحاب بعد إحراز المقتضي : بأنّ احتمال وجود المانع معارض باحتمال عدمه (٢) ، فإنّ ذلك لا وجه له إلاّ على تقدير عدم الاعتناء بوجود المانع بمجرّد الشكّ فيه.
لأنّا نقول : لا دليل على كفاية الشكّ في وجود المانع في الحكم بعدمه ، لا عقلا لعدم استقلاله به ، ولا نقلا لعدم اندراجه تحت قاعدة من القواعد الشرعيّة. وأمّا احتجاج المحقّق فقد نبّهنا على ما فيه في محلّه.
وربّما يتوهّم الفرق في المقام بين ما كان الأفراد الباقية والخارجة معلومة الأعداد والأشخاص ـ كأن يكون العدول مثلا عشرة والفسّاق أيضا عشرة فاشتبه
__________________
(١) عطف على قوله : وفيه أوّلا في صفحة : ١٣٧.
(٢) معارج الاصول : ٢٠٧.