هو في ذلك ، فمن حاول التمسّك بالعموم لا بدّ له أوّلا من إثبات الصحّة ثمّ بعد ذلك يتمسّك بالعموم ، فإنّ ذلك باطل جدّا ، لأنّ الصحّة ليست إلاّ ما ينتزع من المأمور به ، والعموم يفيد كونه مأمورا به فيكون صحيحا. ولا يعقل اعتبار الصحّة في المأمور به ، لما قد نبّهنا عليه في محلّه ، فلا يجب إحرازه قبل التمسّك على تقدير لزوم إحراز كلّ ما هو لازم للموضوع أيضا.
وعلى هذا جرى ديدن العلماء في التمسّك بالعمومات والإطلاقات في جميع أبواب العبادات والمعاملات من الأنكحة والبيوع وغيرها على وجه لا يحسن إنكاره من المكابر أيضا.
وممّا ذكرنا يظهر فساد ما أفاده في الحدائق ـ على ما حكي ـ : من أنّ إمضاء الشارع إنّما يتعلّق بالعقد الصحيح الجامع للشرائط والأجزاء الواقعيّة المعتبرة عنده ، دون الفاسد والفاقد لبعضها ، فإذا شكّ في صحة العقد وفساده ، فلا بدّ أوّلا من إثبات صحّته بمعنى كونه تام الأجزاء والشرائط ثمّ الاستناد إلى العموم المزبور في الصحّة بمعنى ترتّب الأثر ، بحيث إذا لم يحرز ذلك سقط اعتبار ذلك العموم هنا.
ومن هذا القبيل اعتراض بعض القائلين بوضع أسماء العبادات للصحيحة على من زعم أنّها موضوعة للأعمّ : بأنّه لا وجه للتمسّك بالإطلاق على تقديره أيضا ، للعلم بأنّ الشارع لا يريد منها إلاّ الصحيحة ، فلا بدّ من إحراز صحّتها (١).
أقول : ولعمري إنّ ذلك في غاية السقوط جدّا ، ومع ذلك أولى ممّا ذكره في الحدائق ، لاعترافه بسقوط الإطلاق على هذا الاعتبار الفاسد عن الاعتبار ، بخلافه حيث إنّه يظهر من قوله : « ثم الاستناد إلى العموم في الصحّة بمعنى ترتّب الأثر » أنّه بعد متمسّك ومستدلّ بالإطلاق.
__________________
(١) انظر الفصول : ٤٩ ، وضوابط الأصول : ٢٨.