وصرّح به بعض الأعاظم أيضا (١). وقد يطلق ويراد به الكلام الموجّه نحو الغير للإفهام ، فيكون اسم عين. والظاهر أنّه مجاز من الأوّل ، من حيث إنّه حاصل بسببه.
وزعم بعضهم أنّه الحاصل لذلك المصدر (٢) ، فإن أراد ما هو المتعارف في غير المقام ، ففيه نظر واضح ، حيث إنّ الكلام ليس حاصلا لذلك المصدر ، بل هو أيضا مصدر آخر يعمّ نفس الكلام يمكن اعتباره حاصلا لمصدره كما لا يخفى. وإن أراد حصوله بسببه ولو بوجه تجوّزيّ وإن لم يكن حاصلا له ، فهو حقّ ، كما ذكرنا. لكنّه خلاف ظاهر كلامه. ولعلّ المراد بالكلام معناه اللغويّ ، فيشمل المخاطبة بنحو « يا زيد » لو لم نقل بكونه كلاما نحويّا.
وكيف كان ، فما ذكر من معنى الخطاب يحصل بمجرّد المواجهة بالكلام نحو الغير وإن لم يكن الكلام مقرونا بواحدة من أدوات الخطاب كالنداء ونحوه ، كما في قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(٣). نعم ، قد يكون الكلام مقرونا بأداة الخطاب ، كما عرفت من التمثيل. والظاهر أنّ النزاع إنّما هو في الثاني لا في الأوّل ، إذ لم نجد مخالفا في شمول حكم الآية السابقة لمن تأخّر عن زمن الخطاب ، ولا يلازم ذلك مخاطبة المعدوم حتّى يشاجر في إمكانه وامتناعه. وليس هناك لفظ خوطب به حتّى يقال : إنّه حقيقة أو مجاز. ولا ينافيه اختصاص التوجيه والخطاب بواحد ، كما إذا وجّه الخطاب بواحد وكان غيره مكلّفا ، نحو قولك : « يا زيد يجب على عمرو كذا ».
__________________
(١) صرّح به الكلباسي في الإشارات : ١٣٩.
(٢) إشارات الاصول : ١٣٩.
(٣) آل عمران : ٩٧.